في هذا التقرير نستعرض نماذج تاريخية لعدد من المدن اليمنية والعربية والعالمية التي استعصت على الاخضاع أمام جحافل الغزاة، بعد أن ظنوا أن لاشيء يمكنه الوقوف أمام غرورهم الذي جلبه لهم سنوات القوة التي لاتقهر.
فمن استالين غراد إلى صنعاء والبصرة، وحتى سراييفو وتعز ومأرب مدن غيرت مجرى التاريخ، وحولت التقهقر إلى نصر، والضعف إلى قوة، ليس بالسلاح فقط، بل بقوة الايمان بقضيتها، وصمودها في وجه من يريدون الانقضاض عليها.
ستالين غراد الروسية
بدأ الهجوم على ستالينغراد في صيف 1942، حيث سبق سلاح الجو الألماني وصول القوات البرية منفذا حملات قصف جوي عنيف ومتواصل حولت المدينة إلى أنقاض وأطلال.
انعكس القصف سلبا على الجيش الألماني وأرغمه على التخلي عن تكتيك (حرب البرق) الذي يعتمد بصفة كبيرة على سلاح الدبابات والهجمات السريعة الخاطفة، ليجد نفسه غارقاً في حرب مدن من بيت لبيت ومن شارع لشارع.
داخل المدينة احتدم القتال العنيف بين الفيرماخت والجيش الأحمر التابع للسوفيات، وعلى الرغم من تمكن الألمان من إخضاع كامل المدينة، إلا أنهم فشلوا في كسر آخر الخطوط الدفاعية للجيش الأحمر الذي تمسكت قواته بالضفة الغربية لنهر الفولغا.
في 19 نوفمبر 1942 بدأ الجيش الأحمر حملة عسكرية أطلقوا عليها (عملية أورانوس) بشن هجومين متزامنين ضد مواقع القوات الرومانية التي تحمي الجناحين الأيمن والأيسر للجيش السادس الألماني المتواجد داخل المدينة.
كانت هذه القوات ضعيفة مقارنة بنظيرتها الألمانية فانهارت بسرعة بعد معارك عنيفة مع السوفيات الذين تمكنوا في 23 نوفمبر من محاصرة وتطويق حوالي 250 ألف من قوات الجيش السادس والفيلق 4 التابع للجيش الرابع بانزر داخل المدينة.
بحلول الشتاء ومع تواصل الحصار بدأت المقاومة الألمانية تضعف، فقد تسبب البرد والجوع في إنهاك الجنود، وتعطلت الآليات والمدرعات لقلة الوقود، إضافة إلى نقص الذخيرة، في وقت اشتدت الهجمات السوفيتية التي تريد إنهاء وجودهم.
ازداد الأمر سوءاً برفض هتلر قيام الجيش السادس بكسر الحصار والخروج من ستالينغراد حيث أمرهم بالبقاء مهما كلفهم الثمن مع ضمان مواصلة تزويدهم بالإمدادات عن طريق جسر جوي، وقيام القوات الأخرى بهجوم مضاد لكسر الحصار وتوحيد القوات، لكن ذلك لم ينجح بعد أن فشل الهجوم الألماني المضاد في الوصول إلى ستالينغراد، وعجزت عمليات التموين بالجو عن نقل كميات كافية من المؤن والذخيرة لتغطية حاجيات الجيش، ثم توقفت كلياً بعد احتلال الجيش الأحمر للمطارات التي تستعملها القوات الألمانية سواء التي داخل المدينة أو القريبة منها.
قاد كل ذلك للانهيار التام للجيش الألماني السادس الذي اضطر قائده فريدريك باولوس للاستسلام في 2 فبراير 1943 ومعه أغلب قوات الجيش السادس رغم مواصلة البعض الآخر القتال إلى أن تمت تصفيتهم.
بلغت الخسائر البشرية في معركة ستالينغراد حوالي مليوني ضحية، ما يصنفها كإحدى أكبر المعارك دموية في تاريخ الحروب، وتعرض الجيش الألماني لثاني أكبر خسارة له في الحرب العالمية الثانية، والتي كان لها الدور الأكبر في تحول مجرى الحرب العالمية الثانية فلم يستعد النازيون قوتهم السابقة ولم يحققوا بعدها أي انتصار استراتيجي في الشرق.
البصرة العراقية
في يوليو 1982م خطط الإيرانيون لهجوم في جنوب العراق، على مدينة البصرة، ثاني أهم مدينة في العراق بعد أن كانت القوات الإيرانية قد وصلت الى مشارف المدينة.
جهزت إيران لهذه العملية أكثر من 100 ألف عنصر من قوات الحرس الثوري والباسيج والمتطوعين الذين قدموا من مختلف الدول التي يتواجد فيها الشيعة بما فيهم عراقيون.
سميت العملية بعملية رمضان، وكانت واحدة من أكبر المعارك البرية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث سبقها بيومين تبادل المدفعية الثقيلة على طول الخطوط الأمامية، وفي 13 يوليو بث النظام الايراني شفرة البداية للهجوم على البصرة على ترددات الراديو على طول الخطوط الأمامية وكانت الشفرة (يا صاحب الزمان! يا صاحب الزمان!).
ولأن القوات العراقية كانت أقل من حيث العتاد والعدة ، فقد جعلت نفسها في وضعية دفاعية، وأنشأت شبكة من المخابئ، ومواقع المدفعية، وصفوف من الدبابات في وضعية الإخفاء، وكان الجيش العراقي يرى أن معركته معركة دفاع عن وطنهم وأمتهم.
أرسل النظام الإيراني الارهابي جنوده من الباسيج الأطفال إلى حقول الألغام العراقية لتطهيرها ، والسماح للحرس الثوري بالمضي قدما، وبدأ هجماته، مستخدما الموجات البشرية الهائلة للهجوم على المواقع العراقية غير مبال بعدد القتلى الذين سقطوا بعشرات الآلاف.
واجهت المدفعية والصواريخ ونيران الدبابات العراقية موجات الفرس البشرية المصحوبة بدعاية إعلامية تضخيمية ، وتعبئة عقائدية طائفية ضد العراق قائمة على الانتقام من قتلة الحسين كما تقول المصادر التاريخية.
خلال الثلاثة الأيام الأولى استولت القوات الايرانية على مساحة 16 كيلومترا داخل العراق، لكن الدعاية الايرانية ضاعفتها 1800 في المائة، وقالت إنهم استولوا على 288 كيلومترا مربعا.
نجحت الاستراتيجية الدفاعية العراقية في تكبيد الإيرانيين خسائر هائلة، وتمكنت من شن هجوم مقابل استعادت خلاله 4 كيلو متر، لتقوم المليشيات الايرانية بمعاودة الهجوم مجددا في 21 يوليو، حيث تمكنوا من اختراق خطوط الدفاع العراقية مرة أخرى، والاقتراب 13 كيلو متر من البصرة.
في هجوم مقابل نجح العراقيون في إعادة المليشيات الايرانية وإعادتهم إلى نقطة الانطلاق التي تباطأ فيها القتال إلى طريق مسدود، ليعاود الإيرانيون في 1 أغسطس هجومهم الأخير وتمكنوا خلالها من أخذ قطعة أرض قبل أن يخف القتال، وتجبر المليشيات الايرانية على الانسحاب وتوقيع اتفاقيه استسلام والانسحاب من الأراضي العراقية بما فيها البصرة بعد خسارة 20 ألف قتيل وجريح إيراني.
مدينة صنعاء
بعد سقوط نهم بيد الملكيين تجمعت القوات الملكية وحاصرت صنعاء من مختلف المنافذ بهدف إسقاطها .. كان وضع الجمهوريون في العاصمة صنعاء صعباً فقد ترك انسحاب القوات المصرية ومعها أسلحتها الثقيلة فراغاً كبيراً كما كان التفوق العسكري في صالح الملكيين، فضلا عن تعطلت معظم الدبابات والعربات المدرعة وناقلات الجند الجمهورية.
وفوق الوضع الهش للجمهوريين حدث خلاف بينهم على خيار الحرب والسلم، أدى إلى شعور بعض الدول الداعمة لهم بالشك في قدرتهم على الصمود ، فقلت إمدادات السلاح والمؤن وانسحبت معظم البعثات الدبلوماسية من صنعاء ما عدا بعثتي الصين والجزائر.