لم تضع السعودية حليف جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح (1978-2012)، أو أي من القيادات السياسية والعسكرية الموالية له، على قائمة أدرجت فيها 40 قيادياً وعنصراً حوثياً تتهمهم بالإرهاب، وهو ما أثار تساؤلات عديدة في الشارع اليمني.
القائمة، التي أعلنتها الجارة الشمالية لليمن فجر الإثنين الماضي تضم قيادات وعناصر تقول المملكة إنها مسؤولة عن تخطيط ودعم وتنفيذ "أنشطة إرهابية" مختلفة، ورصدت مكافآت ضخمة لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض على أو تحديد أماكنهم في اليمن.
وعززت القائمة، التي تصدرها زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، من ريبة الجماعة تجاه حليفها صالح، في ظل فتور في علاقة الحليفين، منذ إقامتهما مهرجانات منفردة لاستعراض القوة، أواخر أغسطس/ آب الماضي، وخاصة بعد اتهام صالح بالتواصل مع التحالف العربي، بقيادة السعودية، وتبني مبادرات آحادية للحل السلمي .
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015 يشن التحالف عمليات عسكرية في اليمن، دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة مسلحي الحوثي وصالح، المتهمين بتلقي دعم عسكري إيراني، والذين يسيطرون على محافظات، بينها صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
صمت وهجوم
الحوثيون من جانبهم تعاملوا ببرود حيال القائمة السعودية، فلم يعلقوا عليها، لكن قلقهم ظاهر لخلوها من صالح، حيث هاجمت وسائل إعلام حوثية صالح وقيادات حزبه، واعتبروها "قائمة شرف" وأنه يعد "خائناً لليمن" من لم يرد اسمه فيها.
وشعر الجناح، الذي يتزعمه صالح في حزب المؤتمر الشعبي العام، بخطورة الموقف، عقب التصنيف السعودي لحلفائه الحوثيين بمفردهم.
وسارع هذا الجناح إلى إعلان "رفضاً كاملاً" للقائمة، واعتبر أنها تضم "مواطنين يمنيين من الواقفين ضد العدوان (يقصد التحالف العربي) وليسوا إرهابيين".
وبعد دفاع عابر عن الحوثيين واتهامات للسعودية بأنها "الراعي والممول للإرهاب" في اليمن، ذهب حزب المؤتمر إلى تأكيد إخلاصه للجماعة كشريك في مواجهة "العدوان"، حتى تحقيق النصر.
ووصف الحزب النظام السعودي بـ"الواهم"، حين يعتقد أن القائمة "ستزرع الفتنة والشقاق" بينهم وبين الحوثيين.
وكشف الرد الفوري لحزب صالح عن حالة قلق من القائمة السعودية.
خلافات متفاقمة
وتزامن التصنيف السعودي للحوثيين واستثناء صالح وقياداته السياسية والعسكرية مع تفاقم الخلافات بين الحليفين.
وبعد صراع على المناصب السيادية والمؤسسات الإيرادية، تزايدت، خلال الأيام الأخيرة، مخاوف الحوثيين من معسكرات تجنيد يقودها نجل شقيق صالح، العميد طارق محمد عبد الله صالح.
وشن الإعلام الحوثي هجوماً حاداً على معسكرات تقوم بتدريب القناصة في مديرية "سنحان" مسقط رأس صالح.
واتهم القيادي في الجماعة، حمزة الحوثي، نجل شقيق صالح بـ"بناء مسار مليشاوي" خارج وزارة الدفاع الخاضعة لهم.
كما ينتقد الحوثيون ظهور القناصة الموالين لصالح وهم يرتدون أقنعة، لا تظهر ملامحهم، معتبرين أن هذه الفرق يتم إعدادها لتنفيذ اغتيالات.
تمييز لصالح
في الأشهر الأولى للحرب كان التحالف العربي يهاجم صالح بضراوة، ويتهمه بتسليم صنعاء للحوثيين، وفتح مخازن الأسلحة والصواريخ الباليستية لهم.
لكن اللهجة تغيرت، خلال الفترة الأخيرة، حيث باتت بيانات التحالف تتهم "المليشيا الحوثية" بمفردها باستهداف أراضي المملكة، دون التطرق إلى قوات صالح.
ولا يُعرف ما إذا كان هناك تواصلاً حقيقياً بين صالح ودول التحالف العربي أم لا.
لكن السعودية سمحت، الشهر الماضي، بهبوط طائرة تقل فريقاً طبياً روسياً أجرى عملية جراحية لصالح في صنعاء.
وذكرت وسائل إعلام سعودية، آنذاك، أن المملكة "تنقذ صالح للمرة الثانية"، في إشارة إلى علاجه بعد تعرضه لمحاولة اغتيال، منتصف عام 2011، عبر هجوم غامض على دار الرئاسة.
الصاروخ الحوثي
ووفق مراقبين فإن القائمة السعودية جاءت رداً على إطلاق الحوثيين صاروخاً صوب الرياض، مساء السبت الماضي، في إجراء يشير إلى رغبة المملكة في انتهاج "سياسة أكثر تشدداً تجاه الحوثيين".
وقال المحلل السياسي اليمني، عبد الناصر المودع، للأناضول، إن "عدم شمول القائمة لأي شخص ينتمي إلى حزب المؤتمر يعني أن السعودية أصبحت تميز بين صالح والحوثي، وهو ما ينسجم وهدفها الأساسي من شن الحرب، والمتمثل في مواجهة المد الإيراني في خاصرتها الجنوبية، عبر حلفاء إيران الحوثيين".
وأضاف: "خلافاً لذلك، يبقى صالح والمؤتمر الشعبي قوة سياسية لا تشكل خطراً على السعودية، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى أن صالح كان بشكل عام حليفاً للرياض، وفي أسوأ الحالات لم يكن عدواً لها".
واعتبر المودع أن "استهداف الحوثيين لوحدهم في هذه القائمة ينسجم مع مصالح السعودية، واستدراك لخطاء ارتكبته في بداية الحرب، حين تعاملت مع صالح ومؤسسات الدولة اليمنية وكأنها والحوثيين فريق واحد، وهو ما استفاد منه الحوثيون، الذين جروا إلى صفهم جزءاً كبيراً من أنصار صالح والقوات المسلحة، التي استهدفها التحالف".
توسيع حالة التباين
ومنذ مهرجانات أغسطس/ آب الماضي، عمل التحالف، وخاصة الإمارات، على تعميق الهوة بين الحوثي وصالح، واتهم الحوثيون حزب المؤتمر بتلقي دعم خليجي لإقامة مهرجان الذكرى الـ35 لتأسيسه.
وتهدف القائمة السعودية، وفق مراقبين، إلى قطع خط التصالح بين صالح والجماعة، وتوسيع حجم الخلافات والتباينات بينهما، بحيث يسهل القضاء على الحوثيين، كون صالح أحد مصادر قوة الجماعة في الحرب.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، أن "عدم إدراج السعودية لاسم صالح وقياداته العسكرية في القائمة يهدف إلى توسيع حالة التباين بين حليفي الانقلاب، وهو مؤشر على أن التحالف العربي مازال يفضل الاحتفاظ بخط رجعة مع صالح وحزبه".
ومضى الزرقة قائلاً، للأناضول، إن "القائمة تؤكد أن هناك تواصلاً من نوع ما بين طرف في التحالف وصالح، وهناك رسائل عديدة يتم إرسالها بين الطرفين من حين وآخر، وهي تعبر عن قبول بجعل صالح جزءاً من مستقبل أي مفاوضات، بناء على الدعوات التي يوجهها صالح بين فترة وأخرى إلى السعودية للحوار المباشر معه".
ورجح الكاتب اليمني أن تكون القائمة السعودية "قد استندت في أفضل الأحوال إلى معلومات استخباراتية بعدم تورط صالح في مهاجمة العمق السعودي، وحصول الحوثيين على نوعية صواريخ مطورة من حلفائهم في طهران".
وتابع أنه "في كل الأحوال يُفهم من تلك الخطوة أنها محاولة لتحويل هجوم الحوثيين باتجاه حليفهم، وحشر صالح في زاوية ضيقة، وهو ما قد يجعله يحاول الدفاع عن نفسه".
واستدرك الزرقة بقوله: "ولكن ذلك لن يحدث، وهو ما كشف عنه بشكل واضح بيان حزب صالح، ورفضه لما جاء في القائمة السعودية، الأمر الذي يوضح مدى خوف صالح من أن يفهم حلفاؤه الحوثيون رسائل سلبية من القائمة".
استثناء الوفد التفاوضي
وضمت قائمة السعودية كافة قيادات الصف الأول لجماعة الحوثي سياسياً وعسكرياً، لكن اللافت هو خلوها من المتحدث الرسمي، رئيس وفد الحوثيين التفاوضي، محمد عبد السلام، إضافة إلى قيادات تفاوضية أخرى، منها مهدي المشاط، وحمزة الحوثي.
ويرجح مراقبون أن السعودية استثنت الوفد التفاوضي كخط رجعة، في حال العودة إلى طاولة المفاوضات، وحتى لا تقع في حرج بأن من تفاوضهم هم مصنفين لديها كإرهابيين.
ولا يُعرف ما إذا كانت جماعة الحوثي ستتمسك بالوفد الحالي، الذي تم استثناؤه من القائمة السعودية، في أي مراحل تفاوضية محتملة، أم أنها ستحرص على تبديل وإدراج شخصيات تم تصنيفها كإرهابيين، حيث سبق وأن غيرت أعضاء الوفد في جولات المشاورات الثلاث، التي رعتها الأمم المتحدة.
واحتوت القائمة السعودية على غالبية وزراء الحوثي في الحكومة المشتركة مع صالح غير المعترف بها، ورصدت المملكة ما بين 5 ملايين دولار إلى 20 مليون دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى القبض على أي منهم، فيما حل زعيم الجماعة على رأس القائمة، ورصدت من أجله 30 مليون دولار.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها