بعد أيام من سيطرة الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح، على العاصمة صنعاء وحصار الحكومة الشرعية في سبتمبر 2014، ندد العالم بهذه العملية الانقلابية وأدانها، وكان من بين مَن ندد بسيطرة الحوثي على صنعاء، تنظيمُ القاعدة في اليمن! في مشهد من أغرب المشاهد على الإطلاق؛ فالقاعدة قبل أشهر فقط في إبريل 2014 أحكمت سيطرتها على مدينة المكلا وباقي مدن ومناطق المحافظة فأصبحت خارج سيطرة النظام، ثم تخرج ببيان لتندد بانقلاب الحوثي وتتوعد مسلّحيه بـ"نثر أشلائهم وجعل رؤوسهم تتطاير".
لقد كان البيان محاولة فاشلة لتبييض صفحة الانقلاب وإبعاد شُبهة دعم الإرهاب عنه، وكان هذا جلياً في عدم تفكير الانقلاب في إعادة السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها القاعدة خلال ستة أشهر منذ احتلال صنعاء وحتى بدء عمليات "عاصفة الحزم"؛ حيث تأزمت العلاقة الخفية بين طرف الانقلاب وطرف القاعدة، ووصلت لمناوشات على عدد من الجبهات؛ إلا أن هذا لم يمنع استمرار تبادل المصالح بين الأطراف الثالثة ولو كانت النتيجة دمار اليمن ونهب ثرواتها.
إن تحالف المخلوع علي عبدالله صالح القائل ذات يوم: "إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين"، يطرح السؤال: ما الذي جعله يجمع بين نقيضين مثل الحوثي والقاعدة في حلف واحد؟ وما هي المصالح التي جمعت هذه الأطراف الثلاثة؟ وكيف تَمَكّن تحالف الإرهاب من نهب سلاح الجيش اليمني وثروات البلاد؟ وكيف كانت المفاجأة التي كشفتها تقارير الأمم المتحدة ومجلس الأمن حول تاريخ العلاقة بين المخلوع والقاعدة والحوثي؟
نهب مخازن السلاح!
تتضاعف التحديات التي تواجه الحكومة الشرعية في اليمن التي تساندها اللجان الوطنية والتحالف العربي بقيادة السعودية أمام التحالف الإرهابي في اليمن، الذي جمَع علي عبدالله صالح ومرتزقته والحوثي وأتباعه والقاعدة وجنودها في اليمن، في مفارقة نادرة في تاريخ الصراعات السياسية؛ فالتحالف الإرهابي الثلاثي الذي أكدته تقارير أممية كشف عن الكثير من الوقائع المفصلة بشأن نهب أسلحة الجيش اليمني، وتسليم أسلحة وأشكال دعم أخرى لصالح الحوثيين وتنظيم القاعدة؛ بما في ذلك متفجرات؛ مما يكشف مخططات الإرهاب لضرب الاستقرار في المدن المحررة على يد تنظيم القاعدة.
نهب ثروات وقسمة على3
يقع ضمن أهم أجندة التحالف الثلاثي، ضمان استمرار عصابات تهريب النفط والسلاح في اليمن والتي تملك ارتباطاً مباشراً بالجهاز الأمني للمخلوع صالح؛ حيث تلقى تسهيلات كبيرة من قِبَل النقاط العسكرية وجهات قبلية على طول خطوط التهريب من سواحل المهرة وحضرموت وشبوة، وصولاً إلى مناطق سيطرة المليشيات الانقلابية في محافظة البيضاء.
زعيم التهريب
وكشفت صحيفة "اليوم"، في تقرير صحفي سابق، نقلاً عن مصادر، أن المخلوع صالح يعد أحد أكبر زعماء عصابات التهريب في المنطقة، وقد أسس علاقات مع منظومة التهريب على طول السواحل اليمنية منذ كان قائداً للواء تعز ووقوع سواحل المخاء وباب المندب تحت إدارته قبل وصوله للرئاسة في نهاية السبعينيات من القرن الماضي؛ الأمر الذي فتح أمامه أيضاً القرن الإفريقي وصولاً إلى السودان.
وقالت المصادر: إن المخلوع صالح لا يحتاج إلى موانئ لعمليات التهريب؛ لأن النشاط الرئيسي لعمليات التهريب التي يرتبط بها جهازه الأمني تتم عبر قوارب صغيرة في محطات إنزال متعددة على الشريط الساحلي بعيداً عن الموانئ؛ في حين أن العمليات التي تتم عبر الموانئ الشرقية هي لتغطية الأنشطة الأخرى في محطات الإنزال بواسطة قوارب الصيد.
وتكشف المعلومات أن تنظيم القاعدة كان يوفر البيئة المناسبة لأنشطة المخلوع وجهازه الأمني، وأن التنظيم يجني أموالاً طائلة من عمليات التهريب للمشتقات النفطية التي تذهب إلى مخازن الانقلابيين عبر نِسَب مالية تُدفع للتنظيم في حصة متفق عليها مسبقاً مع عصابات التهريب للنفط.
وكانت القوات البحرية السعودية وقوات التحالف، قد أغلقت، مؤخراً، ميناء يُستخدم لتهريب المشتقات النفطية والسلاح في سواحل بئر علي بمحافظة شبوة بناء على مذكرة رفعها قائد المحور اللواء ناصر النوبة، كما اعترضت قوات التحالف البحرية عدداً من السفن المُحمّلة بالمشتقات النفطية، وأجبرتها على الخضوع للتفتيش ومغادرة الميناء.
كيف اجتمع تحالف الإرهاب؟
يُعَد التحالف الإرهابي الثلاثي غريباً بالعودة إلى السياق التاريخي لعلاقة هذه الأطراف ببعضها؛ فعلي صالح خاض حروباً دامية سنوات عديدة مع الحوثي والقاعدة -أو هذا ما يقوله المخلوع على الأقل- ثم عاد وأعلن حلفَه مع عبدالملك الحوثي، ومضى في مسرحيته الهزلية في إعلان المجلس السياسي ثم الحكومة الانقلابية، وتتكشف كذلك علاقته بالقاعدة وفقاً لتقرير خبراء الأمم المتحدة.
ومن هنا استطاع علي عبدالله صالح، ربط القاعدة بالحوثي لتنفيذ أجندة الانقلاب والسيطرة على البلاد؛ على الرغم من اختلاف التوجهات العقائدية بين الحوثي والقاعدة، ويفضح هذا التحالف ما يروّج له الحوثيون والقاعديون من أهداف دينية مزعومة جعلتهم يحملون السلاح؛ إذ إن الهدف سياسي بحت، وبحث دؤوب عن الاستيلاء على السلطة ومن ثم نشر الرعب والفوضى في المنطقة كلها.
وتلتقي القاعدة بالحوثي في هدف نهب اليمن وزعزعة استقراره، وفي اصطياد الشباب اليمنيين للقتال في صفوفهم تحت لافتة "الجهاد" دون علم أهاليهم؛ بل حتى تجنيد الأطفال؛ إذ تجاوز العدد ممن استطاعت الأمم المتحدة التحقق من تجنيدهم في صفوف الحوثيين نحو 1200 طفل يمني.
مناورات "الحوثي" والقاعدة
ففي الوقت الذي كانت بعض محافظات جنوب اليمن ترزح فيه تحت سيطرة قوات علي عبدالله صالح والحوثي، قبل عاصفة الحزم؛ لم تكن تتلقى أي هجمات من تنظيم القاعدة، حتى تم تحرير تلك المحافظات وطرد الحوثي وصالح منها، وبعد سيطرة الحكومة الشرعية على جنوب اليمن وإعلان عدن عاصمة مؤقتة للبلاد؛ باتت هجمات "القاعدة" تتوالى على تلك المحافظات، وحاولت السيطرة على بعضها، وقامت بالسيطرة فعلاً على عدد من الأحياء المدنية، ونفّذت عمليات اغتيال وصلت إلى ثلاثين عملية خلال شهر يناير 2016 فقط، واستهدفت ضباطاً في الاستخبارات وقضاة، وبلغت القصر الرئاسي.
وتأتي هذه الهجمات من القاعدة ضد المحافظات المحررة بإيعاز من علي عبدالله صالح الذي يمول هذه التنظيمات الإرهابية من أجل إظهار أن المحافظات المحررة حاضنة للإرهاب، ويرى رئيس دائرة التوجيه المعنوي في الحكومة الشرعية اللواء محسن علي خصروف، أن صالح "يحرك القاعدة متى شاء وينوّمها متى شاء ويوقظها متى شاء".
المفاجأة الصارخة
في إبريل 2015 وبناء على طلب من مجلس الأمن الدولي، صدر تقرير دولي بخصوص علاقة تنظيم القاعدة بصالح، والتي كانت موضع شك، وكان لهذا التقرير أن يكشف المفاجأة للمجتمع الدولي؛ فبحسب التقرير فقد وقّع صالح على اتفاق سري يمنح تنظيم القاعدة السيطرة على جنوب اليمن؛ على اعتبار أنه كلما ظهر أن اليمن يسقط تباعاً بأيدي التنظيم؛ فإن الغرب الذي قدّم له مساعدات مالية وعسكرية، سيطلب منه البقاء في الحكم، مهما كان الثمن.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته "سكاي نيوز عربية"؛ فقد كشَف وزير الدفاع اليمني آنذاك -محمد ناصر أحمد- أن صالح التقى مع المسؤول المحلي في التنظيم سامي ديان، بمكتبه في صنعاء عام 2011، وتعهد له بانسحاب الجيش من محافظة أبين؛ مما يعطي للقاعدة الفرصة للسيطرة عليها، وهو ما حدث لاحقاً؛ فسيطر تنظيم القاعدة على أبين.
وكان تقرير سابق لخبراء الأمم المتحدة صادر في سبتمبر 2014 فاضحاً للعلاقة التي تجمع الرئيس المخلوع صالح بجماعات إرهابية يستخدمها كأذرع داعمة له من أجل السيطرة على البلاد وتقويض استقرارها، وذكر التقرير أن أوامر عسكرية صدرت في مايو 2011 من يحيى صالح، وهو ابن شقيق صالح، المسؤول عن وحدة مكافحة الإرهاب في أبين، بانسحاب القوات العسكرية نحو العاصمة صنعاء؛ مما سهل لتنظيم القاعدة شن هجوم على المحافظة والسيطرة عليها حتى منتصف عام 2012.
وتلقي المعارك الأخيرة التي تشهدها محافظات الجنوب المحررة، الضوء على مسيرة التنظيم الذي تمتد جذوره في اليمن إلى عام 1999، ومدى استفحاله في ظل نظام المخلوع.
حرب على الانقلاب والإرهاب
ويعلّق اليمنيون الآمال بأن يواصل التحالف العربي المساند للقوات الشرعية في اليمن في دحره للانقلاب وقواته وإعادة الاستقرار لليمن، وكذلك محاربة الجماعات الإرهابية هناك، وهو ما يراه التحالف العربي بقيادة السعودية هدفاً استراتيجياً لا يقل أهمية عن عودة الشرعية في اليمن.
وكان وزير الخارجية عادل الجبير، قد أكد في تصريحات سابقة نقلتها صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، أن ملاحقة القاعدة وتنظيم "داعش" في اليمن من أولويات السعودية والتحالف العربي، وتؤكد عمليات التحالف العربي استهداف مواقع سيطرة القاعدة في اليمن جوياً وبرياً، وأن عمليات "إعادة الأمل" متواصلة ضد الانقلاب والإرهاب الذي يجمع المخلوع والحوثي والقاعدة.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها