عندما استُقبل بحذر في مباني البحرية البريطانية، لم يكن مارتن ويلز يدرك أن الاختيار وقع عليه شخصيا لترويع البشرية وإضفاء الشرعية على صب الجحيم فوق رؤوس القرويين في العراق واليمن وباكستان وأفغانستان والصومال.
أذن للرجل بالانصراف وطلب منه تجهيز نفسه خلال 48 ساعة فقط، ليمتطي طائرة عسكرية إلى جهة مجهولة اتضح لاحقا أنها بلاد الرافدين، حيث "فتح عينيه على الصدمة" وأدرك أن عليه أن يرهب العالم الفسيح من داخل مكتب صغير.
بعد سنوات من الانزواء عن الأضواء، فتح الرجل خزانة أسراره لصحيفة صاندي تايمز ومكتب التحقيقات الصحفية، وتحدث عن رعب تنظيم القاعدة الذي أنتجه البنتاغون ورعاه البيت الأبيض.
مارتن ويلز خبير أفلام عمل لفترة طويلة في شركة "بول بوتنيغر" الدعائية البريطانية التي استعانت بها القوات الأميركية إبان غزوها للعراق عام 2003.
وفي الفترة من 2007 إلى 2011 دفع البنتاغون 450 مليون دولار لبول بوتنيغر مقابل تزوير أفلام رعب بالعربية ونسبتها لتنظيم القاعدة.
يعترف مدير الشركة السابق لورد تيم بيل بأنها عملت بشكل وثيق مع البنتاغون في إدارة مشروع دعائي سري في العراق.
التلفيق الصادم
ويؤكد ويلز أن أهم جزء في هذا المشروع السري كان إنتاج تسجيلات مزورة لا تتجاوز مدتها 10 دقائق ونسبتها لتنظيم القاعدة.
يروي ويلز أن عمله "كان صادما" وأن ما تنتجه الشركة من تلفيقات "يوقعه قائد القوات الأميركية في العراق آنذاك ديفيد بترايوس وأحيانا البيت الأبيض".
ويقول مدير الشركة السابق "الفخور" بعمله "لقد عملنا على علاج الوضعية ولكننا لم نوقف الفوضى التي ظهرت، كان جزءا من آلة الدعاية الأميركية".
يعترف بيل في التحقيق ذاته بأن منتجات الشركة شملت لقطات فيديو قصيرة على طريقة شبكات التلفزة، وأشرطة مزورة منسوبة لتنظيم القاعدة، وأنه كان عليه إرسال منتجاتها لكل من البنتاغون، وسي آي أي، ومجلس الأمن القومي الأميركي.
لم يكن بإمكان الشركة صناعة مواد موجهة إلى الإعلام الأميركي لأن القانون هناك يحمي المواطنين من الدعاية الكاذبة للاستخبارات.
ولكن لم يكن هناك حرج في كتابة مسلسلات درامية وتوزيع أشرطة فيديو لتنظيم القاعدة بلغة العرب وموجهة إلى قنواتهم في المقام الأول.
وإلى جانب الدعاية السلبية، تحتوى الأشرطة على خاصية تتيح للبنتاغون معرفة المناطق التي شوهدت فيها بالضبط مما يمكنه من رصد أصداء دعايته.
وفي النهاية يصل محتوى الأشرطة إلى الأميركيين وغيرهم، فتفي بغرضها في رسم صورة موغلة في الوحشية عن تنظيم تتخذ واشنطن من عدائه ذريعة لضرب أهداف مختلفة في أرجاء العالم.
نهاية مأساوية
وفي حين كشف التحقيق الجديد أن كثيرا من عنف القاعدة صنع في غرف مغلقة ولا وجود له في الواقع، يصعب التشكيك في النهاية المأساوية لمسلسل الفوضى الذي أنتجته واشنطن في العراق.
يؤكد المراقبون أن الفوضى آتت أكلها في العراق، فقطعت أوصاله ودمرت بنيته التحتية ورمت به في قاع العشائرية وجحيم الطائفية الدينية، وجعلته مأوى للمتشددين.
أما المنظمات الحقوقية فتجهر في المحافل الإنسانية بأن غارات الدرونز الأميركية لا تصيب القاعدة في الغالب، إنما ترسل الموت للقرويين أثناء احتفالاتهم في أعراسهم وأعيادهم.
وقد أثبتت دراسات حقوقية أن طائرات أميركا المسيرة تصيب غالبا أهدافا مدنية في اليمن وباكستان وأفغانستان، في حين لا يزال أهالي الضحايا يبحثون عن عدالة دولية تنصفهم.
وحسب وثائق بموقع "إنترسبت" الإلكتروني سربها عميل سابق للاستخبارات الأميركية، فإن "90%" ممن قتلوا في غارات الطائرات بدون طيار خلال "خمسة أشهر" لم يكونوا هم المستهدفين".
ونُقل عن عضو الكونغرس الأميركي دينيس كوسينيتش قوله في 2012 إن عدد قتلى الطائرات المسيرة في اليمن بلغ 1952 بينهم 2% فقط من الشخصيات القيادية في القاعدة.
وأضاف عضو الكونغرس حينها "نحن لم نعلن الحرب على باكستان واليمن والصومال، لكن أسلحتنا قتلت المدنيين الأبرياء هناك".