السّادة جنرالات وقادة التحالف العربي المحترمون، السلام عليكم وبعد:
لقد جاءت "عاصفة الحزم" بناء على طلب من الرئيس عبدربه منصور هادي، لإيقاف الحوثيين الذين بدأوا هجوماً بربرياً ووحشياً على المحافظات الجنوبية، بعد أن بسطوا نفوذهم على المحافظات الشمالية بلغة القوة، ومنطق المدافع، وعقلية لا تسمع إلا لجنازير الدبابات، فذبحوا العُزَّل على حد السلاح الإيراني، وفجَّروا المساجد ودور القرآن على النهج الصفوي، وهجّروا الأبرياء والآمنين على الطريقة الخمينية، وسطواً على الدولة وأملاكها بعقلية الخُمس.
وقد جرت عادة الله -سبحانه وتعالى- في خلقه أنه يمهل المعتدي ولا يهمله، وأنه يُمدُّ للباغي ولا يغفل عنه، وأنه يملي للظالم حتى إذا أخده لم يفلته، فبعثكم الله نصرةً للمظلوم، وعقاباً على الظالم، ووبالاً على الباغي، فحولتم استكبارهم ذُلاً، وقلبتم قوتهم ضعفاً، وبدلتم أمنهم خوفاً، وعلى الباغي تدور الدوائر، ومن استل سيف البغي عوقب به، وإن لنا ولكم في مصارع الظالمين آية، وفي تبدل أحوالهم عبرة، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره.
وأنتم اليوم تجاوزتم حد الخطأ، وترقيتم في الظلم، وانتهيتم إلى البغي، فأصبحت طائراتكم تترنح في سماء اليمن، وصواريخكم تستقر في منازل اليمنيين، وقنابلكم تنشطر في الأعراس، وشظاياكم تتطاير على أجساد الأطفال، ونيرانكم تحرق النساء في خدورهنَّ، وإليكم أيها السَّادة عينة بسيطة من مسلسل الأخطاء القاتلة والمتلاحقة بشكل متكرر، على الرغم من كل الصيحات المتعالية، المنددة بتلك الأخطاء الكارثية، التي تقتل الأبرياء، وتسحق قلوب الأحياء، في مسلسل موجع جداً لا يبدو أن له عندكم نهاية.
لقد كان هذا الشهر مأساة في حياة اليمنيين، وعلامة فارقة في ما يسمى بـ"أخطاء التحالف"، فبالأمس القريب في 21 سبتمبر/أيلول قصفتم مدينة الحديدة، وبعد أن انقشع الغبار تبين أن تحته مجزرة سوق الهنود، وكان القتلى فيها من الأبرياء والجرحي بالعشرات جميعهم من المدنيين، وقبلها في الرابع من الشهر الحالي تعرضت ذات المدينة للقصف، وكان من نصيب أحد الشوارع الضيقة، والهدف كان نقابة الأطباء. وقبلها بأشهر دمرتم منزلاً لأحد المواطنين، فانهارت معه أربعة منازل من جراء قوة الهزة وشدة الضربة، وشهدت زبيد إحدى ضواحي هذه المدينة غارة استهدفت سوقاً شعبيةً فيها.
أيها الجنرالات المحترمون إن هذه المدينة ترزح بعيداً تحت خط الفقر، ويلاحق المرض أهلها، ومما يزيد الأمر سوءاً مناخها شديد الحرارة والرطوبة، المصحوب بانعدام تام للخدمات في مقدمتها الكهرباء - منذ أكثر من عام - فلا ينقصها طائراتكم، ولا تحتاج إلى صواريخكم، فأقلوا عليها من القصف وارحموا أهلها من هذا الاستهتار وأوقفوا هذا العبث.
وفي الشهر الحالي وبالتحديد في العاشر منه حُصدت أرواح عدد من المدنيين على أيديكم، ولكن هذه المرة في أرحب شمالي صنعاء. وأما تعز فقد نالت حظها من "الأخطاء" وسالت منها دماء الشيوخ والنساء والأطفال، فقد قصف طيرانكم منزلاً في منطقة "دار النصر" وآخر في "حي المرور"، ولم تنسَ "الأخطاء" مدينة لحج التي قُصف فيها سوقاً للمواشي، وقبل هذه الحادثة بثلاثة أيام فقط، قصف طيرانكم سوقاً شعبيةً في محافظة حجة، كما امتدت "الأخطاء" إلى شمال غرب عدن وهذه المرة كانت الفاجعة في أبناء الصبَّيْحَة. أما صعدة التي نالت نصيب الأسد من الضربات الجوية فلا يعلم حجم "الأخطاء" فيها إلا الله، ولا يقدرُ قدرها إلا أمثالكم من أصحاب الرتب العسكرية الكبيرة والخبرات القتالية العالية.
كما لم تستثنِ "أخطاؤكم" الموقرة المقاومة الشعبية، والجيش الوطني التابع للشرعية الذي لم يسلم هو الآخر من هذا الاستهتار في الدماء والعبث بالأرواح، ففي يونيو/حزيران 2015، استهدفت غارات "خاطئة" مواقع في تعز ومأرب، وفي يوليو/تموز كان "الخطأ" في اللواء 23 ميكا في حضرموت، ووعدت حكومة اليمن المقيمة في الرياض بالتحقيق في الحادث.
ليست هذه أيها القادة والجنرالات إلا قطرة من بحر أخطائكم، وغيض من فيض قصفكم، وما خفي كان أعظم. فهل الخطأ هو الأصل في عملكم العسكري والصواب هو الشاذ؟!، أم أنها استراتيجية سولتها لكم أنفسكم وأملتها عليكم الشياطين؟! وإن لم يركم العالم أو غفل عنكم، فإن الله يسمع ويرى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
إن النار العظيمة منشؤها من مستصغر الشرر، وإن الجبال الضخمة ما هي في الأصل إلا حجارة صغيرة متراكمة، والفشل عبارة عن أخطاء متتالية ومتتابعة من غير تصحيح أو حتى إعادة نظر. فكل هذه الأخطاء -وما أكثرها- قُتل فيها مئات اليمنيين وجرح أضعافهم، وبالطبع فالمسؤول الأول هو من أشعل نارَ هذه الحرب الزبون، وألقى باليمنيين مكتوفين في أتُونها، وقادهم إلى حتفهم، وها هو اليوم يتاجر بدمائهم، ويعبث بمستقبلهم، تحت شعار الموت لأميركا، التي سلمت وقتلنا نحن، واللعنة على اليهود، ولم تحل اللعنة إلا على رؤوس اليمنيين.
أيها القادة والجنرالات أنتم أيضاً تتحملون نصياً وافراً من هذه المسؤولية، فطائراتكم التي تقصف، وجنودكم الذين يدمرون، وصواريخكم التي تقتل وتحرق. أما الحكومة الشرعية فلا يرجى فيها ولا يُأمل منها، ورغم هذا فالمسؤولية في حقها مضاعفة، ويشترك معكم في المسؤولية كل القوى السياسية المفوضة التي منحت التحالف تفويضاً كاملاً.
فلم يعد من المقبول إطلاقاً أيها السَّادة أن تمر هذه الأخطاء من غير تحقيقات جادة، ولم يعد التغاضي عنها والتغافل عن المتسبب بها أمراً معقولاً، فلا بد من المحاسبة والمساءلة لتحفظ أرواح الناس، ولا بد من العقاب الرادع الزاجر لينتهي هذا العبث والاستهتار بحياة اليمنيين، فليس مكتوباً علينا كيمنيين أنه من لم يمت برصاص الحوثي، مات بصواريخ التحالف وتلك ادهى وأمر.
لا أعرفُ في الحقيقة لماذا أكتب إليكم، فأغلب الظن أن هذا الكلام سيذهب أدراج الرياح، حتى وإن بلغ إليكم! فمن لم يراعِ الله تعالى في دماء المسلمين وأشلائهم، لن تهز ضميره الكلمات أو تحرك قلبه العبارات. ولكني أخاطبكم معذرة إلى الله، وإنكاراً لمنكر مفروض على كل فرد بعينه، وأداء لواجب النصح تجاهكم، فإن أبيتم فقد مضت سنة الأولين، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها