استهدفت قوات الحوثيين في اليمن منطقة نجران بجنوب السعودية بالصواريخ مجددا مما ينهي فترة هدوء استمرت عدة أسابيع. وتعقد الضربات الجهود الرامية لاستئناف المحادثات الرامية لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ 18 شهرا في اليمن.
وانهارت هذا الشهر المفاوضات المتعلقة بالصراع اليمني الذي يشبه الحرب الأهلية في سوريا إذ يضع حلفاء للسعودية في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران المنافس الإقليمي للمملكة. وكان لانهيار المفاوضات تكلفته على مدينة نجران السعودية وإن كانت أصغر بكثير مما هو عليه الحال في اليمن نفسه.
وأطلق الحوثيون صاروخا الأسبوع الماضي من شمال اليمن سقط على نجران التي تقع على بعد 30 كيلومترا من الحدود. وأصاب الصاروخ ساحة للسيارات المتهالكة وأدى إلى مقتل خمسة سعوديين ويمنيين اثنين أثناء قيادتهم بالقرب من المكان.
وأصاب صاروخ آخر محولا للكهرباء تابعا للشركة السعودية للكهرباء في نجران يوم الجمعة مما أدى إلى تسرب وقود الديزل من خزان فتسبب في تكوين برك سوداء في الشوارع المحيطة.
ويوم السبت كان الطفل مهدي صالح البالغ من العمر تسع سنوات مستلقيا على سرير في مستشفى وعلى عينيه ضمادات وفي وجهه جروح من أثر الشظايا. وكان ابن عمه يحيى (ثلاث سنوات) توفي في صباح ذلك اليوم بعد أن سقط صاروخ كاتيوشا خارج منزلهم.
وقال صالح والد مهدي وهو يقف بجوار سرير ابنه "كانوا يلعبون ..أطفال.. شيء طبيعي.. والحمد لله قدر الله وما شاء فعل."
* صواريخ
وتنظر السعودية وحلفاؤها السنة إلى الحوثيين الذين ينحدرون من فرع من الإسلام الشيعي على أنهم وكلاء لإيران. وينفي الحوثيون هذا قائلين إن الحكومة اليمنية في المنفى والسعوديين هم أدوات للغرب من أجل الهيمنة على اليمن واستبعادهم من السلطة.
وبدأت هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية من جديد في أوائل أغسطس آب وهو أيضا الوقت الذي استأنفت فيه قوات التحالف التي تقودها السعودية ضربات جوية في اليمن ضد الحوثيين وحلفائهم.
وتقول السلطات السعودية إن أحدث موجة من القصف قتلت 29 مدنيا وأصابت نحو 300 بجروح في مدينة نجران التي تحيط بها جبال تفصل السعودية عن اليمن.
وهذه الأعداد أصغر بكثير من عدد المدنيين الذين قتلوا في غارات جوية للتحالف دعما للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا . وتعرضت السعودية لانتقادات شديدة من جماعات حقوقية تقول إن الضربات الجوية قتلت بشكل متكرر مدنيين في اليمن.
وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقرير يوم الخميس إن التحالف بقيادة السعودية مسؤول عن 60 بالمئة من القتلى المدنيين الذين سقطوا في الحرب وعددهم 3799.
لكن أعداد القتلى في نجران تشير إلى الصعوبات التي يواجهها السعوديون في تأمين حدودهم ضد قوات الحوثيين والقوات المتحالفة معهم والموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح رغم أن أغلب الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على الأراضي السعودية هي صواريخ كاتيوشا غير المتطورة.
وهدأت حدة القصف لعدة أشهر مع عقد محادثات سلام في الكويت. لكن الهجمات الصاروخية استؤنفت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة بعد انهيار المفاوضات.
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأسبوع الماضي إنه اتفق مع دول الخليج العربية والأمم المتحدة على خطة لاستئناف المحادثات.
لكنه قال إنه يجب على الحوثيين وقف القصف عبر الحدود والانسحاب من العاصمة اليمنية صنعاء التي سيطروا عليهم قبل عامين والتخلي عن أسلحتهم والمشاركة في حكومة وحدة مع خصومهم المحليين.
وقال المجلس السياسي الأعلى الذي يديره الحوثيون في اليمن يوم الأحد إنه مستعد لاستئناف المحادثات شريطة أن يتوقف التحالف الذي تقوده السعودية عن مهاجمة وحصار المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وقالت مديرية الدفاع المدني إنه في نفس الليلة سقط صاروخ آخر في نجران وأودى بحياة فتاتين صغيرتين.
لا مواقع عسكرية
ويوم السبت رافقت وزارة الإعلام السعودية الصحفيين الأجانب في جولة في أجزاء من مدينة نجران لحقت بها أضرار مباشرة جراء القصف.
وقال العقيد علي الشهراني المتحدث الرسمي بمنطقة نجران "(الحوثيون يستهدفون) أحياء مدنية..مدارس..مستوصفات." وكان يطلع الصحفيين على صور الأضرار الناجمة عن الصواريخ التي أطلقت على نجران منذ بداية الحرب وعددها 10 آلاف صاروخ.
وأضاف أنه لا توجد مواقع عسكرية داخل نجران موضحا أنه لا توجد سوى مناطق مدنية وسكنية.
وندد سكان نجران الذين جرى التحدث معهم في مستشفى الملك خالد بالمدينة بالهجمات واستخدموا المصطلحات التي أقرتها الحكومة لوصف الحوثيين وحلفائهم.
وقال مانع الغباري وهو مدرس (39 عاما) في نجران "الحوثي شخص غير جدير بالثقة. إنه يكذب ويستهدف المدنيين."
وأضاف "لا يستطيعون إصابة جيشنا أو جنودنا على الحدود لذا فإنهم يقصفون بدلا من ذلك المدنيين في منازلهم ."
ورافق مسؤول بالحكومة السعودية مجموعة الصحفيين طوال اليوم وقام بتصوير المقابلات.
خدمات مستقرة
ورغم تسارع وتيرة الهجمات تمضي الحياة بشكل طبيعي على الأرجح في معظم أنحاء نجران. ولم تظهر دلائل على انتشار الجيش داخل المدينة يوم السبت فلا توجد نقاط تفتيش ولا دبابات ولا مستودعات ذخيرة شديدة الحراسة.
ولكن المتاجر الواقعة على الطريق الرئيسي بالمدينة كانت مفتوحة ومفعمة بالحركة. وعلى مقربة كان هناك رجل يبيع البطيخ على ظهر شاحنة صغيرة ومتجر باسم باريس هيلتون يعلن عن حقائب وإكسسوارات فخمة.
وقال الشهراني إنه على الرغم من أن صواريخ الحوثيين تصيب كلا من منشآت الكهرباء والمياه فإن تقديم الخدمات للسكان هناك لم ينقطع أبدا.
وفي الشطر الصناعي الشرقي من المدينة والذي غالبا ما تستهدفه الهجمات كانت الأضرار أكثر وضوحا.
كانت برك من الديزل الأسود تغطي الشوارع بعد تسربها من شركة الكهرباء التي تعرضت للقصف قبل يوم. وغطى السواد المعدات التي أصابها التلف جراء النيران التي التهمت المنشأة بعد الهجوم.
وقال متحدث باسم شركة الكهرباء السعودية إن خدمات الشركة للمدينة ثابتة وفعالة. وعندما سئل عن التأثير المالي للأضرار التي لحقت بالمنشأة فقال إنه لم يحدث أي تأثير لا على الشركة ولا على الزبائن.