العيد في اليمن غنيّ بالطقوس المتوارثة التي يحرص الناس على الحفاظ عليها، على الرغم من اندثار كثير من هذه العادات التراثية، والتي يُحذر المهتمون من اختفائها وتلاشيها بفعل الحداثة.
فالأناشيد والأهازيج الشعبية التي ترتبط بهذه المناسبة الدينية تكاد تختفي لولا إصرار المعمَّرين على الاحتفاظ بها وإحيائها، وكذلك الرقصات الشعبية، وعادات "عسب العيد"، و"الأكلات الشعبية"، وغيرها من العادات الأخرى.
فلا يكاد يذكر العيد باليمن إلا وتذكر معه تلك الرقصات والأهازيج الشعبية التي يتسابق الرجال المعمرون إلى تأديتها، يلحون على الشباب لإتقانها، ومشاركتهم أفراحهم العيدية في الساحات على أصوات دق الطبول، أو ما يُسمى في اليمن بـ"الطاسة"، حيث يكسب المعمرون الجولة تلو الأخرى. فتشاهد حلقات الرقص الشعبي في أكثر من مكان، وذلك وفقاً لما ذكره موقع وكالة أنباء "الشعر".
تختلف عادات وتقاليد اليمنيين في العيد من محافظة إلى أخرى، فهي في صنعاء غيرها في حضرموت، غيرها في عدن وتعز، وذلك مع اختلاف وتنوع المكان وثقافة المجتمع. وإذا كان الجميع هنا يتفق على أن الاختلاف ليس جوهرياً، فإنهم يُجمعون أيضاً على أن العيد مناسبة مهمة لإحياء كثير من العادات والتقاليد المرتبطة بهذه المناسبة الدينية المهمة.
إنها ابتسامة يتقاسمها الصغار والكبار بنكهة العودة للقديم والاحتفاء به والحنين إليه، خاصة تلك العادات والتقاليد التي ارتبطت بهذه المناسبة وكادت تنتهي وتتلاشى بفعل وهم الحداثة.
فالتقاليد اليمنية في عيد الفطر عادة تبدأ مع حلول العشر الأواخر من رمضان؛ إذ تبدأ الأسرة بتنظيف وترتيب المنزل وتجميله، في حين يدخل الأطفال في سباق محموم في تجميع كميات كبيرة من الحطب لحرقها ليلة العيد، فيما يُعرف بـ"النصيرة"؛ حزناً على فراق رمضان، وفرحاً بحلول العيد، خاصة في الريف اليمني.
أما المرأة فتُخصص كل جهدها خلال اليومين الأخيرين من رمضان لتجهيز بعض المأكولات التي ارتبطت بهذه المناسبة، استعداداً لتقديمها صباح يوم العيد للضيوف، ويأتي على رأسها ما يُسمى بـ"جعالة العيد"، وهي عبارة عن زبيب ولوز وفستق وكعك وكيك، كما تؤكل في الصباح التمور ووجبات مثل فتة اللبن مع السمن، أو فتة العسل، والفتة هي قطع خبز بلدي.
أما في الظهيرة فيتناول اليمنيون وجبة الغداء التي تشتمل على وجبة الزربيان أو وجبة الكبسة؛ وهي أطباق من الأرز مع اللحم، ويضاف إليه الزبيب والبطاطا، في المحافظات الساحلية.
وهناك أكلة اسمها بنت الصحن، وتتقارب مع أكلة اسمها السبايا أو سوسة، وهي خليط من الدقيق والبيض والسمن، يطهى في الفرن ويضاف إليه العسل اليمني الشهير، الذي يعد من أشهر أنواع العسل في العالم، كما أن هناك أكلتين مشهورتين؛ هما السلتة، وهي عبارة عن مرق اللحم مع قطع صغيرة منه، إلى جانب البطاطا، وما يعرف بالحلبة لتخلط مع قليل من الأرز والتوابل المذابة في الخل والماء، وتقدم مع خبز خاص يسمى بـ"الملوجو"، كما أن هناك أكلة العصيد، وهي عبارة عن طبق مطبوخ من طحين الذرة أو الشعير.
- اليوم الأول
مع إشراقه يوم عيد الفطر، يلبس الرجال أفضل ملابسهم، ولا سيما الملابس التقليدية، مُصطحبين الأطفال إلى الساحات والمساجد، لأداء صلاة العيد، فيما تنشغل النساء بتجهيز البيت. ويفضل اليمنيون الملابس الشعبية؛ فالرجال يلبسون أثواب قميص مكمم وطويل يصل إلى القدم مع جنبية "خنجر" معكوف في داخل خشب مزين بنحاس أو خيوط خضراء مع حزام ذهبي اللون، ويلبس الشال والكوت، وأحياناً تعمل عمامة على الرأس.
ويمثل العيد فرصة لطي أي خلاف، إذ يتحول إلى مهرجان للمصافحة؛ فيقبل اليمنيون بعضهم على بعض، يتصافحون ويتعانقون وينسون خلافاتهم. وتختلف طرق المصافحة من منطقة إلى أخرى، لكن معظم اليمنيين يتصافحون بالأيدي، ويلامس بعضهم وجوه بعض، أما سكان جزيرة سقطرى مثلاً فتتم التحية بملامسة أنفي كلٍّ من المتصافحين، وفي بعض المناطق يقبّل الصغارُ الكبار في ركبهم، وتقبل النساء الرجال الأقارب على رؤوسهم.
- العسب (العيدية)
على الرغم من تبدل ظروف الحياة، وتجدد ثقافة العصر، فإن عادة "العسب" ظلت واحدة من الموروثات الراسخة في اليمن التي ما زال اليمنيون يجدون متعة كبيرة فى إحيائها دونما حرج من بذل أو تلقي العسب.
والعسب هو الهبة النقدية التي يمنحها الكبير للصغير، والرجل للمرأة من أهله وأقاربه وأنسابه، وذلك لدى زيارتهم في منازلهم لتقديم التهاني والتبريكات بحلول عيد الفطر. فيجوز أن يقدم العسب الشخص البالغ العاقل الميسور لأقاربه من النساء، وإن كن أكبر منه سناً، وكذلك لأطفالهن.
والعادة هنا تقديم العسب قبيل مغادرة المنزل، بعد أداء مراسم السلام والتهاني والتبريكات، التي يتخللها تقديم القهوة اليمنية الشهيرة، أو العصائر، إلى جانب أصناف متنوعة من المكسرات والحلويات والزبيب، الذي تشتهر اليمن بأنواع مختلفة منه. كما يجري التطيب بالعطور وماء الورد والبخور، ويتم تبادل الحديث والاستئناس بالمسلم وأولاده إن صحبوه، وقد يرافقه أولاد المقربين إليه، وإلى صاحب الدار أو صاحبتها.
وغالباً ما يتجمع الصغار في جماعات تضم الإخوة والأخوات من أسر تجمعها قرابة مشتركة، فيتنقلون من بيت إلى آخر، حيث يسلمون ويشربون ويأكلون مما يقدّم عادة لسلام العيد، وعند نهاية السلام يمنحهم صاحب البيت أو صاحبته مبلغاً من النقود؛ أي عسب العيد. وأحياناً تكون الأسرة غير ميسورة الحال، فتكتفي بملء جيوب الأطفال بالحلوى والمكسرات.
والعسب للأرحام عادة ما يكون مبلغاً مجزياً يمكنهم من اقتناء بعض الحلى أو الملابس، وذلك في حالة كانوا من أسرة ميسورة الحال تستغني عن صرفه في الإيفاء ببعض الحاجيات الضرورية للأسرة. أما الصغار فغالباً ما يجمعون المبالغ المتحصلة من العسب ليشتروا بها أدوات كانوا يتمنون الحصول عليها، كالألعاب مثلاً، ومنهم من ينفقها على الاستمتاع بأنواع الحلويات والمشروبات.
- أكلات العيد
وفيما يتعلق بالطعام والشراب، فيختلف اليمنيون في عادة تناول اللحم؛ إذ يتناولون الكعك الذي أصبح شبه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعيد، سواء عيد الفطر أو عيد الأضحى.
أما وجبة الغداء اليمنية في العيد فلكل منطقة أكلاتها المفضلة، ومن الأكلات المفضلة "الزربيان" وهو طبق من اللحم والأرز، وقد يضاف إليه الزبيب والبطاطا، إلى جانب "السلتة" التي تطهى من الحلبة والكرات مع قليل من الأرز وخليط التوابل المذابة في الخل والماء، وتقدم مع خبز خاص يسمى "الملوج"، وهي كلها من الأكلات التي ارتبطت بالعيد.
وفي الأعياد تكثر العزومات، ويمكن القول إن المرأة اليمنية من نساء العالم الإسلامي المعدودات التي تتميز بعمل اللحم، وبالأخص المرق الذي يحظى بمكانة خاصة وسط المائدة، فيقوم صاحب البيت نفسه، حتى ولو كان شيخ القبيلة أو مسؤولاً كبيراً، بتقديمه بنفسه للضيوف في آنية صغيرة الحجم، مصنوعة من الخشب بطريقة يدوية يتوارثها الأبناء عن الأجداد، وتقدم آنية المرق هذه قبل تناول الطعام، وفي أثناء اجتماع الضيوف في الديوان في غرف الاستقبال.
وفي العيد تتميز الأكلات الشعبية عن بقية الأيام، إذ تقدم بنت الصحن؛ وهي عبارة عن فطائر بعسل النحل، ويقدم الفتوت، وخلطة الموز المكبوخ، والشفوت خبز مصنوع من دقيق محلي رقيق جداً، ويخلطونه بالزبادي، وكذا وجبة الهريش، وغيرها من الأكلات الشعبية.
- رقصات وأهازيج
لا يذكر العيد في اليمن، إلا ويذكر معه تلك الرقصات والأهازيج الشعبية التي يتسابق الرجال المعمرون والشباب على تأديتها في الساحات على أصوات دق الطبول، أو ما يُسمى في اليمن بـ"الطاسة"، إذ يكسب المعمرون الجولة تلو الأخرى، فتشاهد حلقات الرقص الشعبي في أكثر من مكان.
فيما تنتهز فرق الرقص الشعبي الجوالة عادة مثل هذه المناسبات، وتعزف ألحاناً شعبية يرقص على أنغامها المواطنون الذين يحرصون على منح العازفين نقوداً مقابل عزفهم.. كذلك تنتشر حلقات رقص ما يُسمى بـ"البرع" بالخناجر، في محافظات صنعاء وذمار ومأرب، وكذلك في يافع، مع إضافة البندقية التي توضع على الكتف، والتي أصبحت جزءاً من التراث الشعبي اليافعي في أداء الزامل اليافعي والدبكة اليافعية، التي اشتهرت بها يافع.
كذلك في محافظة حضرموت .. هناك الزوامل والألعاب والرقصات الشعبية المختلفة؛ كرقصات الغياض والهبيش والزربادي والشبواني بالعدة الشبوانية التي يشتهر بها وادي حضرموت، وبخاصة مدن شبام والحوطة والقطن والعاصمة سيئون، كذلك الدراج، وهي رقصة شعبية تتكون من ثلاثة راقصين وراقصة، بشكل دائري تتخللها بعض الحركات المتقنة على إيقاع الطبل الذي يعتبر أداة الرقص في هذه اللوحة. إضافة إلى تصفيق الجمهور الحار تفاعلاً مع اللعبة الشعبية الرائعة.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها