بين الفينة والأخرى يتوقف الزمن ليكتب بمداده الذي لا لايُمحى أسماءً صنعت وتصنعُ تاريخاً ناصعاً لهذا الوطن .
ومن هؤلاء البطل عبدالله علي حسن الشيباني الذي نجا خلال هذا الشهر من مؤامرة دنيئة لاغتياله عبر تفجير عبوة ناسفة أثناء مروره بسيارته في طريق بني شيبة- المركز ، وهذه المحاولة الآثمة أكدت للقاصي والداني كم يتخوف منه سادة الكهوف وتجار الموت .
لم يرد المولى لهذه القامة السامقة أن تغادرنا ، فرصيدنا من الحكماء استنزفته حرباً هوجاء ، والوطن في أمس الحاجة لمثل هذا الرجل ، وبه وبأمثاله نطمع ان ننجو… وسننجو .
في العام 2010 كنتُ شاهداً على محاولة للتخلص منه بيد أحد مرافقي متنفذ مؤتمري بعد انتهاء إحدى فعاليات اللقاء المشترك.
وقتها عمَّر هذا المرافق اللئيم سلاحه ليطلق عليه الرصاص فتدخل الحاضرون وتكاثروا أمامه ، فغادر هذا المرافق الليئم إلى سيده ، وسار الشيباني في حال سبيله أعزلاً كعادته، وكأن شيئا لم يحصل .
وفي العام التالي حاول قَتَلةٌ أخرون يديرهم متنفذ مقيت أخر اعتراض سيارته وتنفيذ مخططهم في منطقة نجد قسيم لكن الله اراد تخليصه منهم ولم تصب إلا سيارته ببعض الأضرار .
الشيباني لا يسير مسلحاً إطلاقاً ، ولو اراد أن يرافقه جيشٌ لوجدهم تحت إشارته ، لكنه يسير أعزلاً متسلحاً بسلاحٍ أخر ، وسلاحه هذا هو ما جعل تجار الموت يحاولون اغتياله .
يملك الشيباني همة عالية ، ورغبة قوية في التغيير للأفضل ، وحب عميق لامته ووطنه وعقيدته ، وهذا هو سلاحه الفتاك ، ومنه يستمد المقاومون في جبهات القتال قوتهم وهمتهم وصبرهم .
لا تكاد تذكر الشيباني الا ويتبادر لذهن مستمعيك هذا الرجل _وشرف لـ "بني شيبة" ان يُذْكَرُوا به_ ولا تفتأ تتحدث عن اللقاء المشترك الا ويقفز اسمه البراق للواجهة، ولا تأتي على ذكر الإصلاح إلا وتذكره ، وربما اقتصرت على ذكره .
لا تجد من يناديه باسمه مجرداً فالكل يناديه أو يذكره بـ "الاستاذ عبدالله" واذا سمعت من يذكر هذا الاسم فستعرف أنَّهُ يقصده ، وكأن لا أحدا غيره يملك هذا الاسم ، ولا سواه يُعَرَّف بأنه "الاستاذ" .
هو استاذ بالفعل، فمنه تعلمنا ولازلنا نتعلم قيم الحب والعطاء والتضحية والتواضع ، ولازلنا نتعطش لنتعلم أكثر ، وسنظل حتى نشيب طلاباً في رحاب مدرسته ، ومريدين في جنبات زاويته التي لا تعرف حدود الزمان والمكان .
كُتِب لي قبل سنوات أن اجتمع به في رحلة حج لبيت الله الحرام ، ولم أكن أعلم مسبقاً أنه سيسافر فالتقيته فجأة ونحن نحزم الامتعة في الحافلة ، ففرحت به وفرح بي ، وقد روى لي كيف تسهلت له الرحلة دون تدبير منه ، فهو لا يملك تكاليف رحلة حج ، وذهب ليسجل في إحدى الوكالات لرحلة عمرة مختصرة يستطيع دفع تكاليفها ، وهناك التقى ببعض طلابه فأصروا عليه أن يخرج حاجاً ضمن طاقم الوكالة ولن يتحمل اي تكاليف مالية، وسهل الله له ذلك .
وقتها ايقنت كيف تتدخل تدابير الخالق لتحقق أمنيات المخلوقين، وكل بحسب نيته .
في رحلة الحج هذه عرفته مرشداً حصيفاً يشرح للحجاج مناسكهم ، ويرد على تساؤلاتهم ، ويبصرهم بشؤون حجهم ، وتجلى لي رجل أخر فقيهاً يُؤصِل ويُبَصُّر ويُقَارن .
في وسط زحمة الحياة التقي به لقاءً عابراً فيتجدد الحب ، وأراه نشيطاً كعادته ، وفي الغالب أجد لديه فكرة جديدة أو مشروعاً يعمل عليه ، ويدعوني إليه ، فهو سيلٌ هادر من الأفكار التي تصنع للأمم والشعوب الأفضل .
لطالما أخبرني كم يحب ما أكتبه عن هذا الوطن ، ولطالما زودني بافكار تصلح لتناولها في كتاباتي ، فأخُذها متلهفاً وأُخرِج ما استطعتُ منها للقراء ، وتتفلت مني بقيتها كعادتي في النسيان الذي لا يرحم .
أحب ذلك الرجل الذي يرقد حالياً على سرير التعافي من محاولة اغتيال أثمة جديدة ، كما أحب همته ، وأهوى عشقه اللامنتهي لهذه الأرض الطيبة ، وبين يديه أفخر أن اقعد موقع المتعلم ، ومن معين أخلاقه الذي لا ينضب أعبُّ ولا أرتوي .
عليك مني ومن كل الطيبين السلام .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها