تطرح هزيمة القاعدة في جنوب اليمن عدة أسئلة، تدور كلها حول الأسباب التي أدت إلى الانهيار السريع الذي حصل للتنظيم خلال 48 ساعة أمام هجوم الجيش اليمني، مدعوماً بقوات سعودية وإماراتية. واللافت، هنا، ثلاثة مواقف تستدعي التوقف عندها، الأول حصول عملية "دومينو" بدأت بالهجوم ضد القاعدة من زنجبار عاصمة محافظة أبين، وامتدت إلى حضرموت. والثاني الخسارة البشرية الكبيرة خلال يومين، والتي قدّرها بيان رسمي بمقتل 800 من القاعدة في العملية. والثالث أن تنظيم القاعدة أربك الوضع في الجنوب لمدة عام تقريباً، واستطاع أن يسيطر على حضرموت بسهولة، كما أنه هز أمن مدينة عدن طيلة الأشهر التي تلت تحريرها من الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
لا يمكن تفسير أمر انهيار القاعدة بناء على عامل المفاجأة فقط، وإنما هو يعود إلى جملة من العوامل المتداخلة، في طليعتها الجهد الاستخباراتي المتميز الذي يتمثل في الاختراق السعودي للتنظيم منذ زمن طويل، عبر برامج وضعها الأمير محمد بن نايف منذ تشكيل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عام 2009.
والثاني هو التصميم على حسم المعركة العسكرية في اليمن لصالح الشرعية، وهذا يعبر عن نفسه بزج قطعات جديدة من القوات غير التي شاركت في تحرير عدن من الحوثيين، وهناك ألوية جديدة تم إنزالها إلى المعركة للمرة الأولى، وهي مشكّلة من أبناء حضرموت الذين تم تدريبهم خلال الأشهر الأخيرة في السعودية.
لا يقف الإنجاز عند القضاء على القاعدة، فهناك عدة رسائل سياسية تم توجيهها محلياً وإقليمياً ودوليا. أولا، يشكل توقيت الحرب على القاعدة رسالة للحوثيين وإيران أن التحالف قادر على مواصلة الحرب، وأن لديه مخزوناً عسكرياً لم ينضب يمكنه أن يدفع به إلى جبهات أخرى، بعد أن يفرغ من ترتيب الأوضاع في الجنوب.
ثانيا/ قرار شن الحرب على القاعدة في هذا الوقت إعلان أن التحالف لم يعد بحاجة لها ورقة تهديد ضد الحوثيين وإيران. ولا يخفى على أحد أن هناك من كتبوا وتحدثوا في بداية الحرب عن أن من الضروري استخدام ورقة القاعدة. وتحت هذا المبرّر، جرى السماح للتنظيم بالمشاركة علنا في القتال لتحرير عدن، وحين تم تحرير المدينة، بدأ التخلي عنه. وهذا ما يفسر ردود فعله العنيفة خلال الأشهر الأخيرة، فهو لم يوفر وسيلةً من أجل تقويض أمن المدينة، وارتكب عدة عمليات إجرامية، كان أبرزها اغتيال محافظ عدن، جعفر محمد سعد، وحاول عدة مرات قتل خلفه عيدروس الزبيدي الذي دخل في حرب مفتوحة ضد القاعدة في ضاحية المنصورة في عدن، أدت إلى إضعاف التنظيم، ومهدت لشن الحرب ضده بدءا من زنجبار.
ثالثا/ تعد العملية الخاطفة رسالة موجهة للولايات المتحدة من طرف السعودية للقول إن الحرب على الإرهاب ليست صعبة ومعقدة، كما تصورها واشنطن في سورية والعراق، فإذا توافر القرار السياسي فإن القوة العسكرية كفيلة بإنهاء التنظيمات الإرهابية خلال زمن وجيز.
رابعا/ أن تنظيم القاعدة بلا حاضنة شعبية مهما أقام بين الناس، وهو حاول أن يوحي من خلال سيطرته على حضرموت بأنه تعايش مع الأهالي، ولا مشكلة في إقامة قوانينه وفرض سلطته، ولكن تبين من ردود الفعل على انهياره أن حضرموت عاشت فرحة عارمة، احتفالا بهزيمة التكفيريين الذين حاولوا أن يفرضوا عليها شخصية متطرفة عابسة على غير ما تتصف به من لطف وتسامح.
هزيمة القاعدة في اليمن ليست حدثا عابرا، بل هو يوازي في أهميته هزيمة المشروع الإيراني الذي حمل لواءه الحوثيون، وستشكل هذه الهزيمة مدخلا لاجتثاث التنظيم في مسقط رأسه، جزيرة العرب.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها