لا تكاد الشمس تشرق هذه الأيام في العاصمة الموريتانية نواكشوط حتى يرابط العشرات من المواطنين أمام الشركة الوطنية للمحروقات والأملاك المعدنية، في انتظار فرصة التسجيل للحصول على ترخيص للبحث عن الذهب في منطقة تازيازت (شمال البلاد).
فمنذ أعلنت وزارة المعادن عزمها الإذن للأفراد بالتنقيب عن الذهب باتت شركة المحروقات قبلة لأعداد كبيرة من الموريتانيين من مختلف الأعمار والفئات.
ورغم الشمس الحارقة وطول الطوابير يبدو "المرابطون" أمام الشركة متمسكين بأمل الحصول على التراخيص وما بعدها، "وربما هم محقون، فاحتمال الحصول على كميات من المعدن الأصفر أمر مغرٍ في ظل انتشار البطالة وتدني المستوى المعيشي، حسب تعبير أحدهم.
إعلان الوزارة فتْح الباب للحصول على تراخيص البحث عن الذهب جاء بعد نحو أسبوعين من قرارها منع الأفراد من ممارسة التنقيب في المنطقة بحجة عدم الترخيص، إثر استقطاب المنطقة أعدادا من المواطنين الباحثين عن الذهب، وحديث عن وجود كميات منه.
تنظيم واستفادة
وقال المدير العام للمعادن أحمد ولد الطالب محمد إن قرار منح التراخيص استهدف "تحقيق المصلحة العامة من خلال تنظيم العمليات وضبطها، وضمان استفادة الموريتانيين من هذه الثروة بشكل أكبر".
وأوضح ولد الطالب للجزيرة نت أن "الموضوع تتداخل فيه عوامل كثيرة ذات طابع اجتماعي وقانوني وأمني، ونظرا للفوضوية التي طبعت العمليات أرادت السلطات أن تضع حدا لهذه العشوائية، وفي الوقت نفسه تسمح للموريتانيين بالاستفادة من ثرواتهم لكن بطريقة مقننة".
وترى الحكومة في تقنين هذا التنقيب التقليدي "مصلحة وطنية"، وهو ما يوافق عليه الخبير الاقتصادي عبد الصمد ولد امبارك، الذي رأى أن هذه الخطوة تمثل مطلبا شعبيا وضرورة اقتصادية واجتماعية، لأن التنقيب التقليدي "يسهم في امتصاص البطالة، ويوفر كميات من الذهب ترفع احتياطيات البنك المركزي من هذه المادة، ويُنَشِّط قطاع الخدمات من خلال ما ينشأ على هامشه من أنشطة".
لكن عبد الصمد أكد في حديث للجزيرة نت أن تلك الغايات "لا تتحقق إلا بتنظيم هذا التنقيب التقليدي بشكل دقيق يراعي الخصوصيات الاجتماعية للسكان، ويحدد أماكن الترخيص، ويضمن عدم الاحتكاك بين الناشطين في المجال".
موريتانيا التي تقدر احتياطياتها من الذهب بنحو 25 مليون أونصة، منحت العديد من الرخص لشركات وطنية وأجنبية للتنقيب عن هذه الثروة واستغلالها، من أهمها شركة "تازيازت موريتانيا" المملوكة لكينروس الكندية، وشركة نحاس موريتانيا.
ثروات وتجاذبات
وبلغ إنتاج البلاد من الذهب في عام 2014 أكثر من ثلاثمائة ألف أونصة، حسب تصريحات وزير البترول والطاقة والمعادن محمد سالم ولد البشير أمام البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي.
وبموجب اتفاقية مع الحكومة، تستغل شركة "تازيازت موريتانيا" واحدا من أكبر مناجم الذهب في البلاد، وتقضي الاتفاقية بحصول موريتانيا على 3% من الإنتاج، و30% من الأرباح الصافية.
وظل استغلال الثروات المعدنية في موريتانيا أحد العناوين الثابتة للتجاذب السياسي بين النظام ومعارضيه، وطالما اتهمت الحكومات بالسماح للشركات الأجنبية بنهب خيرات البلاد على حساب الفقراء، في ظل غياب انعكاسها على حياة السكان بشكل ملموس.
ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة نواكشوط عبد الله ولد أواه إنه "في ظل غياب المعلومة الموثوقة بشأن استخراج المعادن فمن الصعب معرفة مدى شفافية هذه الشركات ودقة المعطيات المتعلقة بإنتاجها".
وأكد ولد أواه في حديث للجزيرة نت أن "أسلوب عمل الشركات يتسم بالغموض، وتاريخها في مجال استغلال المعادن في أفريقيا لا يطمئن على شفافية أو مصداقية أرقامها، خاصة تلك المتعلقة بالإنتاج، مما يعطي مبررات للتشكيك فيها".
المصدر : الجزيرة
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها