العجيبة الأولى
خطف الحوثيين للمعارضين، الصحفيين والناشطين بالذات، وحبسهم في المواقع المستهدفة من قبل طيران التحالف الحربي، ويحدث الإعدام بطريقة مبتكرة وبشعة للغاية، فليس الذي قتل هؤلاء هم الحوثيين بل قتلهم التحالف، وليس الذي قتلهم التحالف، فالتحالف قصف موقعًا عسكريًا كان يفترض ألا يتواجد فيه مدنيون.
العجيبة الثانية
قصف التحالف لحفلات الزفاف في اليمن. في المرة الأولى قصف التحالف، بطريق الخطأ تجمعًا بشريًا في حفلة زفاف بالمخا– تعز، ذهب ضحيتها العشرات، أغلبهم من النساء والأطفال. في المرة الثانية قصف التحالف عرسًا في مدينة ذمار، ذهب أيضًا ضحيته العشرات، وفي حوادث مثل هذه يبدو الخبر صادمًا أكثر من الحادثة ذاتها: قصف حفل زفاف؟
العجيبة الثالثة
توزيع الحرب جغرافيًا، ففي حين أن مناطق شمال الشمال قد خاضت حروبها مبكرًا قبل 2015، وتجنبت قليلًا ويلات الحرب الأهلية الأخيرة، لكنها تعرضت لتنكيل بشع من قبل طيران التحالف العربي، فمدن مثل صعدة وحجة شهدت تدميرًا منظمًا ومتوحشًا من قبل التحالف، وتعود إلى الأذهان اللحظات المرعبة التي عاشها جميع اليمنيين حين أمهلت قوات التحالف سكان المدينة المنكوبة صعدة ساعتين فقط لإخلاءها، قبل القصف العنيف الذي ستتعرض له.
ولمن لا يعرف صعدة منطقة جبلية وعرة، وسكانها من أفقر سكان اليمن، كما أنه في تلك الفترة كانت أزمة المشتقات النفطية قد وصلت ذروتها - وما زالت على هذه الذروة- لذا سلم الجميع ذلهم وقلة حيلتهم إلى السماء، وحتى اللحظة لا أحد يعرف عدد ضحايا هذه المدن جراء ضربات التحالف.
هذا عن مناطق شمال الشمال، بالنسبة للجنوب فقد خاضت ممثلة بعدن معركتها كاملة بين طرفين يمنيين، وبتدخل طيران التحالف في الأشهر الأولى من الحرب، وكانت حصيلة مرعبة من الضحايا والجرحى والنازحين والمرضى جراء الأوبئة، وهذا ما يحدث مع تعز حاليًا ممثلة بالوسط إذ أن نصيبها من الحرب الأهلية كان الأكبر والأبشع، ونكلت بها طائرات التحالف بشكل بشع أيضًا مستهدفة مجمعات سكنية وحفلات زفاف ذهب ضحيتها المئات، إضافة لحصار فتك بالمواطنين جوعًا وعطشًا، بالنسبة لأقصى الجنوب ممثلة بحضرموت وشبوة كان نصيبها مختلفًا قليلًا فلم تصلهم نيران الإخوة ولا صواريخ الأشقاء العرب، لكن القاعدة كانت متأهبة وتلقفت كل ما أسقطته الدولة المنهارة والميليشيا المنسحبة.
أما صنعاء العاصمة، فكانت قد سلمت مبكرًا للميليشيا وأخذت نصيبها من جنون القوة لدى التحالف كاملًا بزيادة كبيرة كون المعسكرات تحيط وتقع في قلب بالمدينة العتيقة من كل صوب، ومدينة مثل إب في الوسط أيضا خاضت المعركتين وإن بحدة مع الحوثيين، وتلقت ضربات التحالف أيضًا لكن جارتها الضالع جنوبًا كانت أشد أهبة وخاضت حربًا ضروسًا مع الحوثيين، وهكذا فإنها حرب أهلية وعدوان خارجي ومدن خاضتهما معًا ومدن تخصصت في نوع واحد من العدوان ومدن ما زالت تعانيهما جميعا.
العجيبة الرابعة
القتل بالعطش! استخدم الحوثيين طريقة جديدة ومبتكرة أيضًا في عالم الحرب، إضافة لاعتقال المعارضين في أماكن مستهدفة بأن حاصروا مدينة كاملة وقطعوا عنها الماء تمامًا، وبدأت فجيعة أن يموت الآلاف عطشًا تلوح في الأفق، فتعز هي في الأصل مدينة ظامئة وتعاني شح المياه، ومع انقطاع الكهرباء طوال فترة الحرب، صار الماء مثله مثل أي شيء آخر شيئًا نادرًا وثمينًا، ثم تفتقت الذهنية الحوثية عن حيلة قطع الماء ومنع الشاحنات من إيصاله للأهالي!
العجيبة الخامسة
ربما ليست عجيبة متكاملة الأركان، لكنها عجيبة، فيمكنك أن تحس بالعجب العجاب حين تقرأ منشورات الحوثيين وإعلاناتهم في الشوارع حول الحرب والولاية والعدوان و.. إلخ من بلاهتهم، لكن العجيبة الكبرى هي اتهامهم بلافتات عريضة لكل مطالب ومنادٍ بتوفير الغاز والكهرباء بأنه خائن و"مرجف" ومؤيد لـ"بني سلول" والعدوان، فكيف يتجرأ المواطن الجاحد على الحديث عن الماء والكهرباء والغاز؟ فقط ليمتْ أو ليقل شكرًا يا حوثي! لكن الذي يثير غضب المواطنين أكثر هو الرسائل الإلكترونية التي ترجوهم بالتبرع للمجهود الحربي (!) فتخيل أن الدبابة الحوثية تقصفك ثم تصلك رسالة ترجوك للتبرع بمال كي يتم قتلك أسرع وأجمل!
العجيبة السادسة
السوق السوداء، وتبدو هاتان الكلمتان كأنهما: المدرسة والشارع، أو البيت، وما إلى هذا، فقد صارت من العادية أن الجميع يتعامل معها كأمر واقع، ترأس الحوثيين السلطة أو هكذا بدا لهم لكنهم في الحقيقة أنشؤوا وسيطروا على السوق السوداء التي جنوا من بعدها أرباحهم كاملة، فيمكنك أن تسأل أحدهم: هل وفرت أسطوانة الغاز؟ نعم إنها مع فلان الحوثي سيجلبها لي من السوق السوداء، وكم سعرها؟ لا سعر مناسب والله قول أربعة أضعاف المبلغ الفعلي اضافة لحق القات!
العجيبة السابعة
ضربات التحالف! فبينما يصور التحالف للعالم أنه "سهران الليالي" لأجل البشر اليمنيين الكالحين ولينجيهم من هذا الشر المتطاير المسمى حوثيين، الحقيقة أن ضربات التحالف كانت وبالًا مرعبًا، مدينة فقيرة جدًا مثل الحديدة عانت الجحيم التحالفي، وما زالت تعاني، رغم أن قراها الواقعة في مرمى الصواريخ العربية لا ناقة لها ولا جمل بما يجري، فهي قرى فقيرة لم تسمع حتى بماذا يحدث في البلد.
ومدن أخرى ارتكبت فيها مجازر مروعة أيضًا لا تعرف شيئًا عن ماذا ولماذا تضرب، ومن إنجازات ضربات التحالف وفتكها بالشر المتطاير: الحصار الشامل وإغلاق الأجواء اليمنية لفترة طويلة أيضًا، قصف أبراج الاتصالات، واستهداف التحالف لمواقع ومدن وأهداف تجعل الآدمي يتساءل: لماذا هنا؟ إذ يكون من غير المنطقي أو الطبيعي أن يستهدف موقعًا مثل ذاك وبتلك الشراسة، وكأن أحدهم فقط يقصف "ليقصف"، وأكبر عجيبة دلت على هذا أن العدو الأول للتحالف وهو الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ظل يسرح ويمرح وحشد جمهوره في وسط العاصمة صنعاء ثم خرج يخطب بهم على مرأى من طائرات التحالف التي تستطيع قتله بطلقة رصاص واحدة.
العجيبة الثامنة
الحكومة، وبرأيي فإنها أعجب العجائب، تواجد الحكومة اليمنية في الرياض، التصريحات التي يدلي بها المسؤولون اليمنيون هناك، والأعجب على الإطلاق التغييرات الوزارية والحكومية التي يقوم بها الرئيس العجيب عبده ربه منصور هادي.
أخيرًا..
ربما ليست هذه كل العجائب عجائب فعلًا، هناك الكثير مما تحويه هذه الحرب، بل إن الحرب ذاتها عجيبة ولم نستطع شرحها ولا تفكيكها ولا رصد أطرافها، أو فهم تحالفاتها من الماضي إلى اللحظة، ومن يعرف ماذا قد تنتج من عجائب أخرى.