أقرت جامعة " شهير " التركية بأسطنبول تدريس تحليل سياسي للكاتب اليمني محمد مصطفى العمراني كنموذج للتحليل السياسي الذي يقدم رؤية واضحة في لغة وسائل الإعلام عن ثورات الربيع العربي بعد نشره في عدة مواقع إخبارية يمنية منها "عدن بوست" قبل أسابيع.
وتناول التحليل الذي نشر بعنوان " الربيع العربي بين أحلام الأمس وواقع اليوم " وتم ترجمته إلى من اللغة العربية إلى اللغتين التركية والإنجليزية وتم إلقاءه في كلية الدراسات الإسلامية كمادة ثقافية تسلط الضوء على ثورات الربيع العربي ومآلاتها وأسباب اندلاعها والأوضاع التي أفرزتها والأخطاء التي رافقتها إضافة إلى القوى الدولية التي حاولت فرض أجندتها كما تطرق الكاتب في التحليل إلى ثورة الشباب السلمية في اليمن ومالاتها .
نص التحليل:
الربيع العربي بين أحلام الأمس وواقع اليوم
محمد مصطفى العمراني
قبل خمس سنوات هبت رياح التغيير ونسائم الثورات من تونس نحو المشرق العربي فتحركت المياه الراكدة في عدة بلدان عربية كاد اليأس أن يطبق على قلوب شبابها ويخيم على نفوس أهلها فأوجدت هذه الثورات التي بدأت شبابية خالصة حراكا سياسيا وواقعا جديدا بكل ما له وعليه وحينها انتعشت الآمال وازدهرت الاحلام وخرج الشباب العربي إلى الساحات والميادين يحملون أحلامهم وطموحات فبماذا عادوا وكيف آل الأمر بعد أن جرت مياه كثيرة في نهر الثورات ؟!
اليوم كثيرون يهاجمون ثورات الربيع العربي ويصفونها بأقبح الأوصاف وأشنع الصفات ويعلقون عليها كل تناقضات وسوء واقعهم ويحملون شبابها الذين خرجوا إلى ساحات الحرية وميادين التغيير مسئولية ما آلت إليه الأوضاع في بلدان كاليمن وسوريا وليبيا ثم مصر وتونس وتناسى هؤلاء أن هؤلاء الشباب لم تديرهم غرفة عمليات في تل أبيب كما اتهمهم البعض ولم تدفعهم الإدارة الأمريكية في واشنطن كما يروج آخرون وانما خرجوا بشكل عفوي يريدون التغيير والحياة الكريمة وواجهوا القمع والقتل والتنكيل بصدور عارية فهم من الفئات المسحوقة وأغلبهم من العاطلين عن العمل رأوا في تلك الرياح التي هبت حينها من تونس فرصة لعلها تحمل التغيير إلى الأفضل وإلا فما الذي سيخسرون فهم في واقع تعيس وظروف صعبة ، تقاطروا على تلك الميادين والساحات يحدوهم الأمل فحركوا بهتافاتهم الكراسي الثابتة والمياه الراكدة لتشتغل غرف عمليات الثورات المضادة والقوى التي ترتبط بها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ولتتسابق الجهود لاحتواء هذه الاحتجاجات واستيعابها ولو باسم الثورات نفسها وباسم حمايتها وضخت مصارف عديدة المليارات وتحركت أجهزة الإعلام تحرك الجيش والأمن المركزي والإعلام ومؤسسات الفتوى الرسمية تحركت الخلايا النائمة واشتغلت أجهزة المخابرات وان كان لدى الجميع غرف عمليات متعددة فقد كان لهم واحد وهو : كيف نقضي على هذه الثورات الشبابية ؟
استفزوا الغرب واستنفروا الشرق وقالوا : هؤلاء اخوانجية لو حكموا سيأتون بالخلافة .!
هؤلاء هم الإرهاب وهم التشدد والتطرف كيف سيديرون الدولة ؟ مؤكد أنهم سيلغون المعاهدات الدولية وستخرج الأمور على السيطرة واشتغل الخطاب الإعلامي والسياسي للأنظمة الوجلة وقواها العميقة في دول عربية عديدة على وتر التخويف من الاسلاميين الزاحفين إلى قصور السلطة وردد ذلك الخطاب الأسطوانات المشروخة عن نوايا هؤلاء الشريرة وتوجهاتهم الغامضة فتسابق الغرب والشرق وتدافعت الأنظمة وقواها لاحتواء واستيعاب وتشوية وتعطيل هذه الثورات بشتى الطرق والوسائل واستغلوا كل امكانياتهم وخبراتهم واستعانوا بالخبرات الخارجية وتداعوا على هذه الثورات والقوى التي أفرزتها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ولم يتركوا هذا الربيع يزهر ولا هذه الأشجار تثمر ولم يتركوا لأحلام الشباب فرصة للتحقق ولا تركوا لطموحات العاطلين والطامحين والفقراء أملا في أن تجد لها مكانا في الإعراب ولم يشفع لهؤلاء الشباب كونهم عزلا إلا من احلامهم وطموحاتهم وأن أغلبهم كانوا يمشون إلى الساحة ولا يجدون ثمن أجرة الباص وفي الساحة يقتسمون رغيف الخبز ويشاركون بعضهم الطموحات والأحلام والمشاريع المؤجلة .
• عودة الأنظمة السابقة بأشكال أخرى
أفرزت الثورات ولأسباب عديدة ومعقدة في بعض الدول واقعا مليئا بالاضطراب والضبابية وهذا أمر طبيعي فالثورات لها أخطاء ولها قوى مضادة ولا تمتلك عصا موسى السحرية ولا تحقق الأحلام كمارد مصباح علاء الدين ولكنها تحتاج لوقت وظروف ومشروع تشترك فيه كافة القوى الوطنية ويتحول على أرض الواقع إلى تنمية واستقرار يلمسها المواطن العادي فيؤمن أن تغيير قد حدث وأن ثورة قد مرت من هنا وهذا أمر يأخذ وقته وهذا سياق طبيعي لكن الغير طبيعي أن الأنظمة التي أسقط رأسها أو بعضها انتفضت كطائر الفينيق الأسطوري وولدت لها رؤوسا من جديد وعادت لتحكم ولو بوجوه جديدة بعضها كان من المحسوبين على الثورة واستغلت أخطاء القوى الثورية وحرضت القوى الدولية والإقليمية على تلك القوى واستغلت كل امكانيات الدولة العميقة وزواج رأس المال بالسطلة واستثمرت بعض المخاوف الخليجية من هذه الثورات وما تحمل من توجهات نحوها وفي نهاية الأمر وخاتمة المطاف عادت من جديد ووجدت بعض القوى الثورية أمام منعطف صعب وخطير بل وأمام تهديد وجودي وعادت بعض القوى وخصوصا الإسلامية إلى السجون والمنافي وإلى شتاء قارس بعد ربيع قصير لم يدم أكثر من عام كما حدث في مصر التي عاد إليها نظام الرئيس الأسبق مبارك بالكثير من رموزه ووجوهه وإن بقي رأس النظام في السجن .
الحقيقة أن الأنظمة السابقة والدوائر الخارجية والداخلية في كافة الدول التي قامت فيها ثورات الربيع العربي التي ترتبط بها علمت على وأد أحلام شباب الثورات وقتل طموحاتهم وإن قال منظروها لقد تركنا للقوى الثورية الجمل بما حمل لكنهم فاشلون فشلوا في تحقيق طموحات الشباب وفشلوا في المحافظة على الدولة التي بنيناها والآن الشعب يحن إلينا ويترحم على زماننا.
• ..وللقوى الثورية أخطاء ايضا
والقوى التي أفرزتها الثورات في بعض الدول او التي شاركت بجوار الأنظمة السابقة كتوليفة هجينة ارتكبت من الأخطاء وجوانب القصور وقلة الحيلة وغياب المشروع وانعدام الرؤية ما زاد الطين بلة وساعد على خلق أفق من الإحباط والتشاؤم فهذه القوى الثورية كانت في الواجهة وتصدرت الأحداث وتحملت نتيجة الفشل لوحدها وفي بعض حالات الربيع العربي عندما انتصر الثوار بعد أن وصولا مع الأنظمة إلى طريق مسدود وواجهوا الآلة القمعية والعسكرية واضطروا لترك الساحات وامتشاق السلاح وبعد أن قدموا نهرا من الدماء وتلال من الأشلاء اختلفوا واقتتلوا فرأى المواطن العادي أن الماضي في ظل الديكتاتور كان أرحم ورأى أن نجله الذي ذهب إلى ساحة الحرية أو ميدان التحرير او التغيير قد غرر به وشارك في الجريمة التي أفضت إلى هذا الوضع البائس فهذا المواطن قصير الأفق كأعمى لا يرى إلا لقمته وأمنه وليكن ما يكون وتناسى أن نجله لم يحمل السلاح ولم يطلق النار ولكنه حمل حلمه وصدح بأشواقه في ميدان التغيير كان يريد التغيير لعل التغيير يحمل إليه وظيفة أو عملا أو غدا أفضل ولكنه عاد خائبا فهل يتحمل ابنه مسئولية ما حدث ؟!
• القوى الثورية هل امتلكت مشروع حقيقي ؟
لاشك بان القوى التي أفرزتها الثورة وحكمت أو شاركت في الحكم تتحمل جزء كبير من المسئولية عما آلت إليه الأوضاع فهي مشاركة بشكل وبآخر في صناعة هذا الواقع ووجود مؤامرات وثورات مضادة وتوجهات اقليمية ودولية تكالبت على هذه الثورات والقوى التي أفرزتها لا يعفيها من تحمل المسئولية فالسؤال هنا : هل كانت هذه القوى تنتظر ممن أطاحت بهم بردا وسلاما ؟!
وهل كانت تنتظر من القوى الإقليمية والدولية التي لا تريد الخير لهذه البلدان أن تقدم لها كل الدعم والمساندة على طبق من ذهب ؟
وهل كان لهذه القوى مشروع وطني حقيقي وعرضته على الشعب وأقنعته به ثم خذلها ؟!
هل كان لها مشروع حقيقي بأليات تطبيق عملية ومزمنة وصدر بعد دراسة متأنية للواقع ولوضع الدولة والمجتمع في شتى المجالات ؟!
مشروع مدعم بأرقام واحصائيات يقنع الخبير الاقتصادي والمواطن العادي ويهدف لإحداث تنمية حقيقة يلمس المواطن أثرها في أرض الواقع ؟!
من المفيد هنا أن أورد قصة مسئول تركي من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا زار اليمن أيام حكومة الوفاق والتقى بقيادات في المشترك وعندما طالب أحزاب المشترك بمشروعهم في الحكومة وجد صمت مطبق وقدم له البعض رؤية انشائية تتضمن وعود تشبه وعود التي يقدمها مرشح البرلمان لأعضاء دائرته وخرج هذا المسئول التركي بحقيقة مرة هي " لا يمتلكون أي مشروع حقيقي للنهوض والتنمية " .
• قوى دولية تفرض أجندتها
البيئة التي سادت دول الربيع العربي بعد الثورات بما تحفل به من متناقضات واضطرابات هي أنسب بيئة للقوى الدولية التي جاءت بمشاريعها وأجندتها ومخططاتها التخريبية فركبت على موجة الأحداث واستغلت ما يحدث لتحقيق أجندتها التي رمتها كحبل نجاة للجميع ودعمت تلك القوى جهرا ووقفت مع تلك القوى سرا واشتغلت في كل الاتجاهات ودفعت أنظمة عربية إلى التصلب ومواجهة شعوبها بالحديد والنار والسلاح ولما وقع الجميع في الفخ تدخلت حينا بالسياسة وحينا بالآلة العسكرية حتى تظل الأمور تحت سيطرتها وتظل الفوضى خلاقة تخلق لها فرص التمكين بشكل أكبر وأوسع ويتضح بجلاء الدور التخريبي للقوى الدولية في الوضع اليمن فبعد أن خرج شباب اليمن إلى الساحات وتركوا السلاح وضربوا أروع الدروس في السلمية ومواجهة قمع السلطة بصدور عارية وبعد أن أفضت الثورة الشبابية لحكومة وفاق تشغل القوى الثورية فيها نصف الحكومة في توليفة تشبه إلى حد ما تحكيم قبلي وصلح بين طرفين نزاع وضعت اليمن تحت الوصاية الدولية كانت الأجندة الأمريكية تقتضي اشغال النخبة في الدولة والمجتمع بمؤتمر الحوار وتمثيل جماعة الحوثي المسلحة فيه بشكل أكبر من حجمها في الواقع وبما يجعلها قوة فاعلة في الساحة ثم دعمها بمختلف أوجه الدعم واستغلت هذه القوى الدولية المشروع الحوثي المذهبي والطائفي الصغير والمتمثل في إعادة السلطة لسلالة معينة وكذلك توجه الدولة العميقة ممثلة بنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح للانتقام من خصومه في القوى الثورية التي أبعدته عن كرسي السلطة بكل ما يملك من امكانيات الدولة العميقة ولعبت سلبية الرئيس هادي دورا كبيرا بضغط خارجي اضافة إلى أخطاء الحكومة القاتلة مثل الجرعة التي فرضت عليها من الخارج لإعطاء مبرر ودعم شعبي للتحرك الحوثي ضد الحكومة ومضى المخطط الأمريكي ليس باستئصال وضرب القوى الثورية والوطنية فحسب بل بتقويض الدولة وإدخال البلد في أتون صراعات مسلحة جرت بدورها التدخل العسكري للتحالف العربي لدعم الشرعية في الحرب التي لا تزال متواصلة وكل هذه الأحداث عززت من خطاب قوى الثورة المضادة التي تسعى لتصوير ثورة فبراير اليمنية على أنها نكبة على اليمن متجاهلة كل حقائق الواقع اليمني المعقد والمتداخل .
• نحو دراسة موضوعية للثورات العربية
نحن نحتاج لدراسة متأنية موضوعية للثورات العربية واستخلاص الدروس الهامة منها ، دراسة لا تتعصب للثورات ولا تشيطنها وإن أبدت تعاطفها مع الشباب فهذا لا يخل بها كون هؤلاء الشباب قد أخرجوا من المعادلة تمام .
نحتاج حتى للتأريخ مرافعة نادرة في محكمة التأريخ لا يكون شباب الثورة فيها الخصم ولا الحكم وإنما نضع من تولوا السلطة ومن قاموا بالثورات المضادة وكذلك القوى الدولية بمخططاتها التخريبية في قفص الاتهام ويحضر الشباب كضحايا يرفعون ضد أولئك قضايا أشواق الحرية المغدور بها والعدالة المفقودة والأحلام المقتولة والتأريخ سينصفهم والشعب سيحكم ولا شك أن موجة قادمة من الثورات ستصحح الواقع وتعرف طريقها وتعرف من تكرم ومن تحاكم فما زالت أسبابها باقية وما تزال الجمر تحت الرماد.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها