بعد محاولات عديدة من قبل قوات الحوثيين وحليفهم الرئيس اليمني السابق علي صالح وضع عراقيل في وجه المفاوضات طالعنا أمس تصريح رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي بأنهم أبلغوا المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد موافقتهم على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والذي ينص على «انسحابهم من المدن، وتسليم السلاح الثقيل للدولة، والإفراج عن المعتقلين».
هذه الموافقة ستبقى خلّبية حتى لو أعلن الحوثيون القبول بها ولن تؤخذ على محمل الجد فعلا قبل بدء انسحاب قواتهم من المدن وتسليمهم الأسلحة الثقيلة والإفراج عن المعتقلين، فرغم مرور سنة تقريباً على بدء دول التحالف العربي هجومها المسمى «عاصفة الحزم» على الحوثيين وحلفائهم وتلقّي هؤلاء مئات الغارات فإنهم ما زالوا يسيطرون على العاصمة صنعاء بل انهم عاودوا حصار مدينة تعز بعد أن فكّ المقاومون والجيش اليمني الحصار عنها جزئيا قبل قرابة عشرة أيام.
والحال أن اليمن، كاجتماع بشريّ عامّ، صار مضطراً للخروج من دائرة الحرب العبثية التي دفعه الحوثيون إليه بمغامرتهم العسكرية التي يمكن اعتبارها تاريخيا ذروة حروبهم المتكررة ضد الدولة اليمنية، والتي حوّلتهم من عنصر احتجاج مستمر إلى شريك لآلة الدكتاتور علي صالح الحربية التي انتفض اليمنيون عليها عام 2011.
غير أن ثالثة الأثافي التي جعلت من حلف صالح ـ الحوثيين تهديداً للأمن الإقليميّ العربيّ هو تحالفهم مع إيران وأدواتها الإقليمية وهو ما أدّى، بالنتيجة، إلى ردّ فعل عنيف معاكس خليجيّ وعربيّ لمواجهة هذا الحلف الثلاثي مما فرض معادلة عالميّة وإقليميّة جديدة حُسمت، بعد نزع التغطية الروسية عن هذا الحلف، عبر موافقة موسكو على القرار 2216، تحت الفصل السابع، في 14 نيسان/إبريل من العام الماضي.
يمكن الرؤية إلى التصديق الروسيّ على القرار 2216 كبذرة للتطوّرات اللاحقة عليه في ما يسمّى الشرق الأوسط، ويمكن، على ضوئه، فهم التدخّل العسكريّ الروسيّ في سوريا، الذي ربّما اعتبره الكرملين تعويضاً يوازن هديّته اليمنية إلى دول الخليج العربيّ، غير أن قرار الانسحاب الروسيّ الجزئيّ من سوريا بعد شهور من المغامرة الروسية يعني أن الثمن المقابل للقرار اليمنيّ من لحم سوريا (على طريقة مسرحيّة شايلوك الشكسبيرية) تم اقتطاعه، مع إدراك مفاجئ (على خلفيّة حرب أسعار النفط) أن المبالغة فيه ستكلّف روسيا ما لا طاقة لها به.
التسوية اليمنية، بهذا المعنى، هي أمّ التسويات اللاحقة، والسيناريو اليمنيّ، على ضخامة حجم الآلام التي حفل بها، يرتبط، مثل حبل السرّة بكلّ التسويات الجاري ترتيبها، في اليمن، كما في سوريا وليبيا.
لقد دفع اليمن، كما دفعت سوريا وليبيا، ثمناً مهولاً لحلم الحرّية الكبير، ورغم تكالب أعداء العرب عليهم، فإن ضوءاً بعيداً يلوح من آخر النفق.
رأي القدس العربي
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها