هل نكون مبالغين إذا اعتبرنا أن التاريخ هو ضمير البشرية؟ ولمَ لا؟ أليست أحداث التاريخ العظام هي التي صنعت الجغرافيا، ورسمت الحدود، وربما شكلت واقعنا الحالي دون أن ندري؟ التاريخ يصنع من هذا بطلا، ويسِم آخر بالعار، ومن التاريخ نتعلم الدروس والتجارب التي تساعدنا على بناء حاضر مشرق. لكن ماذا إذا عبث أحدهم بذاكرة أجيال من الأطفال عبر روايات مغلوطة للتاريخ؟
إليكم بعض الأكاذيب التاريخية ربما تبدو للبعض بسيطة، وأمورا عابرة، لكن من يضمن أن هذه هي فقط الأكاذيب الوحيدة التي يتعلَّمها الأطفال؟
1.نيوتن والتفاحة
في المدارس الابتدائية، تعلَّمنا أنه عندما كان نيوتن جالسًا تحت شجرة، سقطت تفاحة على رأسه؛ واكتشف حينها الجاذبية الأرضية. في حين أن فكرة وجود هذه اللحظة التأملية في حياة العالم، قصة جميلة، لكن القصة الحقيقية بعيدة عن ذلك على الإطلاق. لقد استغرق نيوتن عقدين من الزمن لتطوير كامل نظرية «الجاذبية الكونية». كما قدَّم بعض الآخرين المساعدة له مثل كريستوفررين، وروبرت هوكو إدموند هالي. كانت لحظة «وجدتها» الحقيقية لنيوتن نتاج عقدين من العمل الدقيق.
2.صنعت الأكاذيب والصدفة أسطورة كولومبوس
عندما يُذكر اسم كولومبوس تنهال على رأسك كل الاكتشافات العظيمة التي منحها له الكتاب المدرسي. يا له من بطل! الصدمة أن العديد من هذه الأشياء التي درسناها في المدارس عن كولومبوس ليست صحيحة، ولكن فكرة أن كولومبوس هو الذي اكتشف أن الأرض كروية هو أمر كاذب جدًا وواضح لأي دارس للتاريخ. في الحقيقة، قد عرف الناس منذ 2000م سنة أن الأرض ليست مسطحة، ويعود الفضل لذلك إلى علماء الرياضيات اليونانيين القدماء: فيثاغورت، وأرسطو، وإراتوستينس.
إذن الأمر ليس لكولومبوس فيه أي يد أو استنتاج. حتى محاولاته في تقدير حجم الأرض أتت سيئة للغاية، لقد اعتقد أن حجم الأرض أصغر مما هي عليه، بالإضافة إلى ذلك فقد قدر أن اليابان أبعد عن سواحل الصين مما هي عليه في الواقع. الحقيقة الوحيدة، هي أن كولومبوس هبط في أمريكا، أجل ذلك حدث، وكان الأمر بمحض الصدفة البحتة.
3. عارض لينكولن العبودية بشدة
تعلَّم الأطفال الأميركيون في المدرسة – ومعهم أطفال العالم – أن أبراهام لنكولن هو واحد من أعظم رواد تحرير العبيد. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن لينكولن كان أقل بطولية بكثير من ذلك. لم يريد لينكولن بالضرورة تحرير العبيد، لقد كان هدفه الأساسي الاتحاد، ولقد نجح بالفعل في إعادة الولايات التي انفصلت عن الاتحاد بقوة السلاح، والقضاء على الحرب الأهلية الأمريكية. إنه أراد فقط الحفاظ على قوة الاتحاد، وكان تحرير العبيد جزء من ذلك.
قال لنكولن: «هدفي الرئيس من وراء هذا الصراع هو الحفاظ على الاتحاد وليس استمرار الرق أو إنهاءه، إن استطعت أن أنقذ الاتحاد من دون تحرير العبيد سأفعل ذلك، وإذا كان بإمكاني حفظه عن طريق تحرير جميع العبيد سأفعل ذلك، وإذا كان بإمكاني حفظه عن طريق تحرير البعض وترك الآخرين سأفعل ذلك أيضًا. ما أقوم به فيما يتعلق بالرق، والأعراق الملونة، أقوم به لأنني أعتقد أنه يساعد على إنقاذ الاتحاد، وما أمتنع عنه، أمتنع عنه لأنني لا أعتقد أنه سيساعد على إنقاذ الاتحاد … لقد ذكرت هنا هدفي وفقا لرؤيتي لواجبي الأساسي، ولا أعتزم تبديل رغبتي التي لطالما تبنيتها في أن يكون كل رجل على وجه الأرض حر». من الواضح أن هدف لنكولن هو الحفاظ على الاتحاد، فقد كان تحرير العبيد مجرد أداة للوصول إلى هذا الهدف، لحسن الحظ.
4. بنجامين فرانكلين والطائرة الهوائية
سمع معظمنا عن الأسطورة الأمريكية التي تدعى أن بنجامين فرانكلين عرَّض طائرة هوائية للبرق أثناء عاصفة رعدية. وتقول الأسطورة إن فرانكلين قد اكتشف الكهرباء بواسطة هذه التجربة. في حين أنها تبدو قصة جميلة، لكنها لا شيء أكثر من مجرد أسطورة. على الرغم من أن فرانكلين قدم مقترحًا لتجربة تحليق طائرة هوائية، لكنه لم ينفذه أبدًا. فلو فعلها لكان على الأرجح قد مات على الفور.
5.هل قطع فان جوخ أذنه بنفسه!
فان جوخ هذا الرسام العبقري هل يُعقل أن يُتهم بهذا الفعل الأحمق، ويجد حتى الآن من يبرره بمرض ما. ربما علينا من الآن أن نحكم عقولنا فيما نسمع من أشياء تبدو حقائق سواء كانت تاريخية أو أمور عادية. حقًا من المثير أن أكثر الأشياء التي يعتقد كثير من الناس أنها صحيحة عن الرسام فان جوخ هي أنَّه قطع أذنه بنفسه، وأرسلها بالبريد إلى حبيبته. ورغم أن هذا شيء فظيع لا يمكن لأي شخص أن يفعله، لازال الكثير من الناس متيقنين أن تلك حقيقة، وذلك نتيجة لما درسوا في المناهج المدرسية.
ولكن هذه الحادثة ليست صحيحة، وتلك التهمة برأ المؤرخون منها فان جخ. لقد أكد العديد من المؤرخين أن رسام زميل لفان جوخ هو من قام بذلك. على ما يبدو، حدثت مشادة بين الاثنين وألقى فان جوخ كأس النبيذ في وجه بول جوجان. ردًا على ذلك، سحب جوجان سيفه وقطع جزء من أذن فان جوخ، وكى يهرب من جريمته أخبر الناس بعدها أن فان جوخ مجنون.
رسام عبقري اتهم بفعل مجنون، وآخر أصبح بطلا ومُحررا للعبيد! إذن علينا البحث في كتب التاريخ، وخاصة أن التاريخ يُكتب من أكثر من وجهة نظر. الشك والتأمل والتفكر متعة عظيمة وكذلك بعثرة أوراق التاريخ بحثًا عن الحقيقة!
ساسة بوست
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها