تحية طيبة لكل الحضارم في كل مكان،
وأخصّ بالتحية أولئك الذين وقفوا مع حضرموت في أحلك الأوقات، حين تراجع كثيرون، وهرب البعض، وتردّد آخرون.
تمرّ حضرموت اليوم بمنعطف خطير ومرحلة مفصلية من تاريخها، لحظة نادرة تتقاطع فيها التحديات مع الفرص. وتلوح أمامنا فرصة تاريخية سيكون التفريط بها خطأً فادحًا لا يُغتفر، ليس فقط بحق الجيل الحالي، بل بحق الأجيال القادمة.
لقد آن الأوان أن ندرك أن ما يجري اليوم ليس حدثًا عابرًا، بل تحوّل استراتيجي يفرض علينا الانتقال من منطق ردّة الفعل إلى منطق الفعل الواعي، ومن الانفعال إلى التخطيط، ومن التمنّي إلى بناء رؤية واضحة للمستقبل.
عانت حضرموت طويلًا من تجاهل العالم لقضيتها، ومن غياب الصوت الموحّد القادر على تمثيلها بوعي ومسؤولية. أما اليوم، فإن أنظار العالم باتت متجهة إليها، وهذا التحوّل يفتح نافذة تاريخية لا تتكرر كثيرًا. لكنها نافذة مشروطة: إما أن نكون جاهزين فنُحسن استثمارها، أو نضيّعها كما ضُيّعت فرص سابقة.
كنا في مرحلة ما نشتكي من غياب الحليف، أما اليوم فهناك مؤشرات على تحوّل في المواقف الإقليمية والدولية. غير أن هذا التحوّل لا يعني شيئًا إن لم نكن نحن، كحضارم، نملك رؤية واضحة، وأدوات عمل، وقدرة على تقديم مشروع متكامل عندما يُطلب منا أن نضع كل شيء على الطاولة.
إن المسؤولية التاريخية تفرض علينا البدء بخطوات عملية وجادة، من أهمها...
أولًا، العمل على إعداد قاعدة بيانات منظمة تضم شخصيات حضرمية ذات كفاءة ووعي، من مختلف أطياف المجتمع الحضرمي، بعيدًا عن العصبيات الضيقة والانتماءات الضيّقة، على أساس واضح لا لبس فيه: حضرموت أولًا، والكفاءة معيارًا وحيدًا. فالأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالعقول القادرة على الإدارة واتخاذ القرار.
ثانيًا، بلورة رؤى وخطط واضحة للمستقبل، تشمل أبعادًا سياسية وتنموية وإدارية، وتقديم مقترحات واقعية قابلة للتنفيذ، لا الاكتفاء بخطاب عاطفي يستهلك اللحظة دون أن يبني لها أساسًا.
ثالثًا، الإصرار على بناء قوة عسكرية من أبناء حضرموت، بقيادات حضرمية كفؤة، تعبّر عن إرادة الأرض وتحمي مستقبلها، لأن الأمن ليس ترفًا، بل شرطًا أساسيًا لأي مشروع سياسي أو تنموي.
رابعًا، إعداد تصور شامل لمرحلة ما بعد الحل السياسي، حتى لا نُفاجأ بالنتائج دون جاهزية أو بدائل، فالتاريخ علّمنا أن الفراغ أخطر من الخصوم.
حضرموت ليست أرض نفط فقط، بل أرض علم وعقل وتاريخ. وهي تضم طيفًا واسعًا من الكفاءت، وقامات فكرية وإدارية ومهنية تصل إلى أعلى المستويات. ومن واجب هذه النخب أن تتحمّل مسؤوليتها، وأن تكون حاضنة فكرية وإدارية حقيقية للمشروع الحضرمي، لا مجرّد مراقب للأحداث.
فإذا لم نتحرك نحن اليوم، فمن يُفترض أن يتحرك؟
وإذا لم نبادر الآن، فمتى؟
إخواننا في الميادين يؤدّون دورهم، ويقدّمون تضحياتهم، وواجبنا نحن أن نؤدي دورنا .
التخطيط، والتنظيم، وبناء الرؤية، وتوفير البدائل. فالأوطان لا تُبنى بالسلاح وحده، كما لا تُبنى بالكلام وحده.
لقد آن الأوان أن ننتقل من مرحلة الانبهار إلى مرحلة العمل. فالمشهد دقيق، والمرحلة لا تحتمل تضييع فرصة جديدة.
حفظ الله حضرموت.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها