كثيرا ما يطرح للعامة في جنوب اليمن مصطلح (استعادة الدولة) وكان هذا المصطلح قد ارتبط ببدايات انطلاق الحراك الجنوبي في يوليو ٢٠٠٧م. عندما بدأ تنازع القيادة داخل الحزب الاشتراكي حول تبني موجة الاحتجاجات السلمية الجديدة. وكي تتميز هذه الاحتجاجات عن سابقاتها التي كانت تطالب ب(فك الارتباط). والأخير هو المصطلح الدستوري الذي اعتمده امين عام الحزب الاشتراكي اليمني (البيض) في بيان ٢١مايو ١٩٩٤م من المكلا. معلنا (استعادة) جمهورية (اليمن) الديمقراطية... وسعيها - الدولة الوليدة- المتواصل من لحظة استعادتها لتحقيق الوحدة اليمنية مره اخرى على (أسس جديدة).
استعادة الدولة كان يفسره الاشتراكيون في الحراك بعودة دولة الجنوب اليمني السابقة لتاريخ ٢٢مايو ١٩٩٠م. ولذلك يكملون العبارة بقولهم (على حدود ٢١مايو٩٠م).اي انهم قد جزموا بتحديد الدولة جغرافياً بحدود الجنوب اليمني سابقا. ونظامها السياسي الذي تفرد به (الحزب الاشتراكي اليمني).
غير أن شركاء الحراك هذه المرة. خاصة السيد الجفري - بعد اتصالة بلندن- يسحبون مصطلح الاستعادة لعام ١٩٦٧م وبالتحديد يوم ٢٩نوفمبر منه. ويقصدون بذلك-كما صرحوا مؤخرا بعد استيلائهم على قيادة الحراك - استعادة كيان (الجنوب العربي) باعتباره (دولة) كما يزعمون.
هذا الأشكال الكبير أحدث شروخ وتصدعات عميقة في بنية وتماسك رؤية الحراك الجنوبي السلمي.بحيث أصبحت تتنازعه عدة رؤى غير واضحة وضبابية. حتى قال بعض قياداتهم باستعادة (حكم السلطنات في الجنوب). وبالفعل انخرط عدد من السلاطين السابقين او احفادهم في الحراك الجنوبي حسب هذا التفسير. وزادوا من عمق الشروخ وكثافة الضبابية حول المصطلح (استعادة الدولة).
كل ذلك العك السياسي والتنظير البيزنطي. حاول أن يحسمه مؤخرا مكون المجلس الانتقالي الجنوبي. بحسبه المكون الجنوبي الوحيد الذي يحتكر القوة العسكرية في الجنوب ويستحوذ على معظم الدعم الخارجي لمشروع (الانفصال). وغلب على اطروحاته السياسية مصطلح استعادة دولة الجنوب العربي. معللا ذلك بعدم تذكير الشعب في الجنوب بمآسي حكم الحزب الاشتراكي الذي لابد للحركة الانفصالية الجنوبية ان تتخفف من ارثه الدموي وتاريخه الاقصائي وعداءه التاريخي في الأقليم والجوار الخليجي بشكل خاص.ويتكي الانتقالي على استخدام العنف لفرض تفسيره الخاص واقصاء بقية المكونات الجنوبية. بل واسكات اي صوت من داخله يحاول تفسير مغاير لتفسير الانتقالي او اسلوبه في إدارة الشأن العام وتمثيل قضية الجنوب-العربي او اليمني - وولادة دولته التي يبشر بها الانتقالي ويخلّقها في خضم هذه التناقضات والصراعات العنيفة.
لكن هل كان الجنوب العربي (دولة)
مسمى الجنوب العربي باختصار. ظهر عام ١٩٥٩م عندما أنشأت بريطانيا ماسمي (اتحاد إمارات الجنوب العربي) كي يقيم هذا الكيان دولة حول مستعمرة عدن. وشُكل الكيان من السلطنات المنضوية في محمية عدن(الغربية). بينما رفضت سلطنات محمية عدن الشرقية الانضمام لهذا الكيان. معتزة بارثها الحضاري وتاريخها المعاصر لتحقيق طموح أبناءها في دولة عصرية مستقلة عن عدن و اتحاد إمارات الجنوب العربي. وهذا الاستقلال الذي كان محددا له يتم مطلع العام ١٩٦٨م - وفق مقررات الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار - كانت الفعاليات السياسية في المكلا تبشر به.. وترعاه ارادة السلطنات الحضرمية التي انخرط قادتها في حوار سياسي نحو الوحدة الحضرمية لم ينقطع الا بإسقاط المكلا عسكريا في يد( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل)يوم ١٧سبتمبر ١٩٦٧م. ولازال كثير من الحضارم يعتبرون هذا اليوم يوما أسودا في تاريخ حضرموت المعاصر.
نعود مرة أخرى لموضوع العنوان. فالجنوب العربي كيان سياسي خدج صنعته بريطانيا ولم تعترف به أي دولة أخرى ولم يكن له أي حضور او تمثيل في الجامعة العربية او الأمم المتحدة. ولا يمثله اي سفير في اي دولة وليس لديه اي سفارة حتى لبريطانيا التي اعترفت به. ولذلك فدعاة الجنوب العربي اليوم يستعيرون (علم) دولة اليمن الجنوبي سابقا. للتعبير عن مطالبهم بعودة كيان الجنوب العربي. الذي دفنته للأبد دولة الاستقلال الوطني اليمني في الجنوب الذي يرفعون علمها اليوم.
وهذا احد مظاهر اهتزاز رؤية الحراك الجنوبي لعودة الدولة او الانفصال.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها