من نحن | اتصل بنا | الجمعة 22 نوفمبر 2024 09:16 مساءً

 

 

 

 

منذ 3 ساعات
قال مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي بـ إن“ الحذر الذي تظهره الأطراف الدولية مثل المملكة العربية السعودية تجاه الحوثيين قد يجعلهم أكثر عدوانية، وقد يتعمق هذا الاتجاه مع تعلم الحوثيين التهديد للخروج من المواقف الصعبة. وفي تقرير حديث نشره المركز على موقعه الرسمي اوضح المركز
منذ 3 ساعات و 21 دقيقه
علق وزير الثقافة السابق الاستاذ خالد الرويشان على استمرار مليشيات الحوثي الانقلابية في اعتقال “فتىً عمره 16 عاماً بتهمة رفع العلم اليمني والآخر 22 عاماً كتب منشوراً ناقداً فتم اعتقاله أيضاً“.   وقال الرويشان في منشور له عبر حسابه على الفيسبوك عنونه بـ .."أحزان صنعاء
منذ يوم و ساعه و 55 دقيقه
ناشدت الدكتورة نوال جواد، مدير مكتب التربية والتعليم بالعاصمة عدن، مجلس القيادة الرئاسي ممثلاً بالدكتور رشاد محمد العليمي رئيس المجلس، واللواء عيدروس الزبيدي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي - رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والعميد عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي عضو مجلس
منذ يوم و 3 ساعات و 44 دقيقه
تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال قوات عسكرية إلى اليمن؛ للقيام بمهام تدريبية للقوات الحكومية، ومراقبة السواحل جنوب البلاد، وفق ما كشفه مصدر خاص لـ"عربي21".   وقال المصدر ، فضل عدم ذكر اسمه، إن الولايات المتحدة تخطط لإرسال قوات عسكرية إلى اليمن؛ لتنفيذ مهام تدريبية
منذ يوم و 3 ساعات و 59 دقيقه
نعرب نحن البنوك الحكومية والخاصة  المذكورة في البيان المضلل بخصوص تهريب الأموال إلى الخارج، عن استنكارنا البالغ لما تم تداوله مؤخرًا في بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بشأن مزاعم تم تداولها بشكل واسع. ونؤكد أن هذه الادعاءات تفتقر إلى المصداقية وتعبر عن فهم
مقالات

الأحد 25 أبريل 2021 12:07 صباحاً

الصاروخ طريقي إلى الجنة

في سبيل الله قدمت حياتك فداء لدينك وأرضك... في سبيل الله خرجت من بيتك وأرضك وديارك... أملك في بيت في الجنة، وفي عيش أهنأ عند ربك... في سبيل الله تركت مالك وأهلك وآثرت ما عند الله، هكذا كان محمد سعيد باعباد جندياً عظيماً وقائداً عظيماً.

 

وعندما كان عليه أن يختار بين منهجين، اختار الأصعب: تقدم إلى الميدان ليكون بين إخوانه جندياً مخلصاً حيث كان دائماً موقعه، مع أن بإمكانه أن يسترخي في إحدى العواصم العربية يجني أوسمة المجد ونياشين البطولة والإقدام، ووعود المستقبل الآمن في ظل الرفاهية القادمة والتي يظفر منها الكثيرون بنصيب، ولكنه اختار الجهاد بصدق، ليرحل عن هذه الدنيا شهيداً نظيفاً، كما كان في هذه الدنيا مجاهداً نظيفاً.لم ير الشهيد محمد سعيد باعباد غير الجهاد القائم على التخطيط والإعداد طريقاً لتحرير فلسطين، فكان دائم الحديث بين إخوانه أن الجهاد أصبح فرض عين على كل مسلم، وأن فلسطين ستكون بالنسبة له السوق التي يربح فيها الصفقة مع الله، ويفوز بإحدي الحسنيين.

 

ولعل الكثير لا يعرفون أن النقيب الركن محمد سعيد باعباد، الضابط السابق في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي سابقاً)، من طلائع العاملين المخلصين في حقل الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، الذين يؤمنون أن المقاتل الذي لا يصدر عن إيمان وعقيدة لن يثمر سلاحه في المعركة مهما كانت حدة هذا السلاح.

 

نسبه:

محمد سعيد علي بن أحمد بن حسن بن الزين باعبّاد، وأل باعباد أشهر مشائخ حضرموت، إذ يقول الشاطري في كتابة ( أدوار التاريخ الحضرمي ): هم من أعرق القبائل حيث يرجع أصلهم إلى العصور الإسلامية الأولى، جدهم الجامع في حضرموت عبدالله بن محمد باعباد الملقب بالقديم المولود سنة 616 هـ والمتوفي سنة 687 هـ، ويرجع نسبهم إلى البيت الأموي في قريش.(1)

 

والمشائخ آل باعباد كانت لهم هجره إلى أرض الساحل للدعوة إلى الله من القرن السابع الهجري، وهناك بنوا المساجد وأوقفوا الأوقاف لنفع وتعليم المسلمين، ويمثلون من أغلبية سكان الساحل. 

 

الميلاد والتنشئة:

ولد الشهيد محمد سعيد باعباد في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر عام 1941م بقرية قصيعر بالمشقاص في حضرموت اليمن، وهو الابن الثالث لأسرة متوسطة الحال كانت تتكون من خمسة ذكور وثلاث إناث.

كان والده الشيخ سعيد بن علي بن الزين باعباد رجل قوي التدين، ربّى ابنه تربية إسلاميه واعتنى بغرس الأخلاق والصفات الحسنه فيه منذ الصغر، فنشأ منذ صغره طالباً للعلم، هادئاً، مواظباً على العبادات، باراً بوالديه، شفيقاً بإخوانه وأخواته، محباً للمسلمين: يُسرُّ لأفراحهم ويحزن لأتراحهم. 

عندما بلغ محمد السابعة من عمره كانت المدرسة الابتدائية في قصيعر تفتح أبوابها في عامها الأول، فالتحق بها وأنهى سنينها الأربع بنجاح، وبدأ يتطلع للدراسة في المدرسة المتوسطة في غيل باوزير.

التحق محمد بالمدرسة المتوسطة بغيل باوزير في العام الدراسي 1955/1956م، وكان والده يشجعه على الدراسة ويحثه على الاجتهاد، فكان محمد عند حسن ظنّ الجميع، إذ واصل تفوقه الدراسي في المدرسة المتوسطة وأنهى دراسته بها في عام 58/59 م. ولأن هذه الدرجة من التعليم كانت أقصى ما يوجد في البلاد أيام السلطنة القعيطية، فكّر محمد بالذهاب إلى الكويت لمواصلة تعليمه الثانوي.

 

الدراسة الثانوية بالكويت:

ولأن رغبة محمد في التعليم كانت أقوى من كل الظروف، وبعد موافقة والده الذي يكنّ له حباً شديداً ويثق به فلا يرفض له أي طلب، ذهب محمد بطريقة ما إلى المهرة واستخرج جواز سفر من سلطانها، وسافر منها بحراً إلى الكويت بتاريخ 21/5/1959م.

وفي الكويت، نزل محمد في بيت أحد أبناء منطقته واستطاع أن يجد عملاً، وفي أوقات فراغه كان يتابع اتصالاته بالهيئة العامة للجنوب والخليج العربي التي تقدم المنح الدراسية لطلاب جنوب الجزيرة العربية واليمن، وبعد جهد ومتابعة متواصله، حصل الشهيد على منحه للدراسه في ثانوية الشويخ.

 

في أثناء دراسته الثانوية، وتحديداً في عام 1961م، اجتاحت الكويت - كغيرها من الدول العربية - مسيرات منددة بانفصال مصر وسوريا، فطلب وزير التربية الكويتي من الطلاب العرب الذين كانوا غالباً السبب في خروج هذه المسيرات، الرحيل إلى أي دوله يختارونها، فاختار الشهيد محمد باعباد مصر.

 

 

العودة للوطن بعد الجامعة:

وفي مصر، التحق محمد باعباد بالكلية الحربية مابين عامي 1962- 1965م، وكان عميد الكلية في ذلك الوقت الفريق محمد فوزي الذي تولى فيما بعد قيادة القوات المسلحة المصرية، وتخرج الشهيد من الكلية الحربية بشهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية وضابطاً برتبة ملازم أول مع مرتبة الشرف.

عاد محمد إلى أرض الوطن في عام 1965م، والتحق بالجيش النظامي في السلطنة القعيطية، حيث تولى قيادة سرية بسلاح المشاة بعد أن رقّي إلى رتبة نقيب، واستمر في هذا العمل إلى عام 1967 م، وبالذات إبّان الاستقلال حيث عاش محمد فترة عصيبة من حياته.

 

يقول أحمد سالم الكسادي، أحد زملاء الشهيد: « في تلك الفترة كانت هناك محاولات لاحتوائنا، وكان يبدو أنها ستلجأ إلى التصفية، إذ لم نستطلع إن كان كل مايدور حولنا يتسرب إلى هذه الجهات... عندها اكتشفنا أن هناك زملاء بيننا يتجسسون علينا وينقلون مايدور بيننا، فكان علينا أن نهرب، وبالفعل، تمكن بعضنا من الهرب بطرق عجيبة، ولم يكن لذلك من خيار، فقد كان الأمر: إما الفرار أو الموت... كان معظمنا من خريجي الجامعات المصرية بالذات الكلية الحربية ».

وفي هذه الظروف، زار الشهيد محمد سعيد باعبّاد مسقط رأسه قصيعر لآخر مرة، والتقى بوالده في جلسة طويلة على شاطىء البلدة.

 

في تلك الجلسة، أخبر محمد والده بأنه سيذهب ولن يعود، وإن عاد فبعد سنوات طويلة، ولم يستطع الوالد إقناع ابنه بالعدول عن هذا القرار حيث استسلم للأمر الواقع، خاصة بعد أن أبلغه الشهيد أنه نتيجه لصراعات مابعد الثورة، واستيلاء الشيوعيون على السلطة في جنوب اليمن، حكمت السلطة الجديدة عليه بالإعدام لما رأوا فيه من خطر عليهم، لتمسكه بدينه وجهاده من مبدأ العقيدة.

 

ظنّ الشيخ سعيد بن علي بن الزين باعباد بعدها مقبوضاً على ابنه الذي غادر إلى مصر بتاريخ 3/2/1969م.ولم يعرف أحد ما كان يخطط له الضابط الشاب، غير أن بعض الكلمات التي تحدث بها لأقرب أصدقائه بحضرموت تدل أنه كان مقدماً على حياة جديدة. إذ كان دائماً يقول لأصدقائه: « إن المعركة الحقيقه بين الحق والباطل ليست في حضرموت، فالعدو الحقيقي هم اليهود والشهادة الحقيقه هي هناك ».(2)

 

تلبية نداء الجهاد:

 

ولكن مصر لم تكن سوى محطة من محطات حياة النقيب محمد سعيد باعباد الجهادية، فلم يستقر به المقام هناك، إذ التقى قيادات الدعوة والحركة الإسلامية، غادر بعدها إلى الكويت، ليصبح أحد الأعمدة الرئيسة للمشروع الجهادي للحركة لما حدثت نكبة 1967م حيث ضاعت فلسطين وسيناء والجولان، ويئست الناس من الحكومات والجيوش العربية واتجهت نحو العمل الفدائي.  

يقول عنه المستشار عبد الله العقيل، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي والقيادي في الحركة الإسلامية الكويتية آنذاك: « أول من عرفني به هو الأخ الكريم القاضي الفاضل عبد القادر العماري حيث أخبرني أنه من ضباط الإخوان المسلمين في اليمن، وأنه مجاهد صادق، وعسكري متمرّس، ومسلم ملتزم، وأوصاني به خيراً ».

 

ويضيف المستشار العقيل: « وحين شرع إخواننا من مختلف البلاد العربية في استنفار الأمة لاستعادة كرامتها التي أُهينت في نكبة 1967م، تلك الهزيمة النكراء... تحرك الإخوان المسلمون هنا وهناك يهيبون بالأمة المسلمة، أن تثأر لكرامتها، وأن تمسح العار... فاستجاب نفر من شباب الإسلام، من مختلف البلاد العربية والإسلامية، ولبوا النداء مسرعين إلى ميادين التدريب، ومعسكرات الإعداد، التي أقامها الإخوان المسلمون على الحدود مع اليهود 1968م، وكانوا من جنسيات وبلدان مختلفة، ومن هؤلاء أخونا محمد سعيد باعباد من اليمن الشقيق، حيث الإيمان يماني والحكمة يمانية، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ».(3)

 

تعبئة قبل الرباط:

 

عمل الشهيد في البداية على نشر الوعي بقضية فلسطين في الوساط الشعبية وبين صفوف أبناء الحركة الإسلامية، إلى جانب إلهاب مشاعر المسلمين وحثهم على الجهاد والتضحية، وهذا الجهد لا يمكن تقديره إلا في ضوء الظروف التاريخية التي عمل من خلالها محمد سعيد باعباد، فلم تكن ثورة الاتصالات على هذا النحو، ومن ثم فإن الوصول بقضية ما إلى القواعد الجماهيرية كان يتطلب جهداً دؤوباً، وحركة قريبة من نبض الجماهير والتغلغل في أوساطها، وقد عمل الشهيد باعباد على استشارة الحس العقدي والقومي من أجل إشعال جذوة البذل والعطاء في سبيل نصرة قضية فلسطين.

 

كان شهيدنا رحمه الله ـ نشيطاً، عالي الهمة، سريع الاستجابة للخير، يألَفُ ويُؤْلَفُ ـ

 

 مع وفد يطوف العالم الاسلامي من إخوانه يحث على الجهاد بالمال والنفس، ويتذكر المستشار عبد الله العقيل لقاءه بالشهيد أثناء زيارته للكويت: « لقد سعدنا بزيارته لنا في الكويت، وكانت لنا معه أحاديث عن دور الحركة الإسلامية المعاصرة، وما يجب عليها في مثل هذه الظروف، وواجب الشباب المسلم تجاه ما يجري للأمة من تقطيع أوصالها وإبعادها عن دينها، وتنفيذ مخططات أعدائها، في حرب الإسلام وأهله والبطش بالدعاة والتنكيل بالعلماء وإسكات كلمة الحق، وإعلاء شأن الباطل، والركوع أمام مطامع اليهود والمستعمرين الصليبيين، وقد كان – رحمه الله – جذوة متقدة من الحماس، ومرجلاً يغلي من الغضب على أعداء الإسلام وعملاء الاستعمار، والمرتزقة المأجورين ».(4)

 

ومع أهمية هذه المهمة التي اضطلع بها النقيب محمد باعباد، إلا أن ذلك لم يكن طموحه. ولذلك، حين سنحت الفرصة للرباط والجهاد، التزم الشهيد بالقواعد الفدائية في غور الأردن، وكتب الدكتور محمد أبو فارس، القيادي بالحركة الإسلامية الأردنية، في كتابه شهداء فلسطين عن ذلك: « كان شهيدنا رحمه الله مع وفد مهمته الطواف بالعالم الإسلامي ليحضه على الجهاد بالنفس والمال، وجلب المتطوعين لقواعد الإخوان المسلمين، وكان زميلاه أجنبيين ليسا عربين أحدهما تركي والآخر اندونيسي، ولما مر هذا الوفد بالقواعد، واطلع رحمه الله على الحياة، وعاش يوما من حياة المجاهدين بالقواعد، قرر أن يبقى في القواعد يقاتل العدو، وهو صاحب خبرة عسكرية والعمل الميداني بحاجة إليه، فاعتذر لأخويه عن الاستمرار معهما في المهمة، إذ يمكن لغيره أن ينضم إليهما ويستمر الوفد في المهمة ».(5)

 

الصاروخ طريقي إلى الجنة:

 

« لايهمني في أي لحظه يختارني فيها القدر، ولكن كل مايهمني أن أكون في ساحة الجهاد المقدس، لكي يكون موتي بداية لطريق الجنه التي وعد الله بها المجاهدين في سبيله، وسأصدق الله إلى أن تحقق الآية الكريمة: { من المؤمنين رجالا صدقوا ماعاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا }... إن أقصى ما ابتغيه وما أرجوه أن أسافر إلى الجنة بطلقة مدفع أو بصاروخ موجه... لي أملان: أولهما الجهاد في سبيل الله وقد تحقق، والثاني أن استشهد في سبيله، وقد يتحقق إن شاء الله ».(6)

 

هذه هي أبلغ الكلمات التي كان يرددها الشهيد البطل محمد سعيد باعباد، وكتبها في مذكراته التي حفظها أفراد مجموعته في آخر عملية يقوم بها على أرض فلسطين المحتلة ليسجل اسمه في سجل الخادين.

 

كان رحمه الله جريئاً، مقداماً، يلبي أمر قائده إذا ندبه دون تردد أو بطء، بل يهب مسرعاً، وقد يكون قائده أقل كفاءة منه، فلا يؤثّر ذلك في نفسه.

 

كانت المجموعة الفدائية التي قادها الشهيد تحمل رقم 29، ومع أنها كانت تتبع قواعد الشيوخ للحركة الإسلامية، إلا أنها أيضاً كانت تعتبر من الناحية الرسمية من الوحدات التابعة لقوات العاصفة، الجناح العسكري لحركة فتح، وفق الاتفاق بين جماعة الإخوان المسلمين وحركة فتح.(7)

 

وكانت بيانات قوات العاصفة عن المجموعة (29)، تقول بأنها من أخطر خلايا حركة فتح التي زعزعت كيان العدو الصهيوني، وزرعت الرعب والذعر في صفوف جنوده. فقد اختصت هذه المجموعة الفدائية بتنظيم دوريات استطلاعية على نهر الأردن لإجراء الدراسات العسكرية والمسح الميداني استعداداً للعمليات الهجومية القادمة. كما برزت مؤهلات وخبرة النقيب محمد باعباد العسكرية في استطلاع منافذ العبور إلى الضفة الغربية المحتلة.(8)

 

هذا كل ما أتمناه:

 

آمن الشهيد محمد باعباد أن طريق الجهاد في سبيل الله هي الطريق من أجل إحقاق الحق واسترجاع الوطن السليب، وكانت هذه الروح الجهادية المخلصة تتفجر في كل مهمة أو عملية يقوم بها.

 

ولعل حديث الفدائي (ابن عمار)، وهو أحد رفاق الشهيد يعبر عن هذا المعنى، حيث يقول: « في أول عملية قام بها الشهيد البطل، كنا سوياً، وقد طلب مني أن أريه نهر اليرموك، وكانت مهمة شاقة فعلاً، قال بعدها: لو لم نكن قد مارسنا العسكرية، لما استطعنا أن نسير هذه المسافة، ولم أكن أعلم أنه خريج للكلية الحربية في القاهرة، ولكنه اكتفى بقوله هذا ثم قال: هذا كل ما أتمناه أن أموت هنا، إن أقصى أملي أن أرى الجنة، وأحمد الله بأني على الطريق ».(9)

 

ويضيف فدائي آخر قدم نفسه باسم (عمار): « أود أن أبين ملاحظة لعملية سبقتها، لأنها ترتبط بها ارتباطاً جذرياً، ففي العملية الأولى كنت والشهيد وأفراد الوحدة نسير متجهين إلى هدفنا في الأرض المحتلة، وكان من بين أفراد المجموعة أخ لنا جميعاً رحمه الله وهو الأخ أبو الحسن، وقد كان مخلصاً إخلاصاً لا يوصف للشهيد محمد باعباد، وكان الاثنان مثالاً لنا جميعاً: مثالاً للنزاهة ومثالاً لكل فدائي عاهد الله على الجهاد، وفجأة اشتبكنا مع كمين إسرائيلي، واستمر الاشتباك حوالي ساعتين، استشهد على أثرها الشهيد أبو الحسن، واضطررنا بعدها للعودة إلى قواعدنا، وعلى الرغم من روابط الإخاء بين باعباد والشهيد إلا أن باعباد استطاع كتمان ما في نفسه ».(10)

 

وقفة المؤمن الصادق:

في الساعة الثامنة من مساء يوم الإثنين الموافق 24 / 4 / 1970م كان الشهيد باعبّاد مع قوة من المجموعة 29 في دورية استطلاعية على نهر الأردن حين اكتشفت قوات الاحتلال الصهيوني أمرهم في منطقة المشروع شرقي اشدوت يعقوب بعد أن أنجزوا المهمة المطلوبة منهم، فخاضت المجموعة الفدائية معركة عنيفة ضد العدو استمرت أكثر من ساعة، دفع العدو خلالها بنجدات كبيرة إلى المنطقه محاولاً الالتفاف حول المجموعة الفدائية.

 

وعندها تسابق المجاهدون فيمن يحمي انسحاب رفاقه، أصر شهيدنا على أن يكون هو الذي يحمل وسام الشرف، واستطاع أن يشق ثغرة في الحصار ليسقط بعدها شهيداً يروي الأرض الفلسطينية بدماء حضرمية يمنية بعد أن مزق الرصاص جسده.(11)

 

ولنعد لقصة استشهاد النقيب محمد سعيد باعباد برواية زميله الذي يقول: « صدرت إلينا الأوامر بالتحرك إلى منطقة تلعد حوالي مائة كم عن إحدى قواعدنا، وتقتضي تصوير بعض المناطق والمستعمرات اليهودية، وأن نحصل على استطلاعات كاملة للمنطقة المذكورة.

 

تحركنا كالعادة على متن سيارات قواعدنا تارة وتارة أخرى سيراً على الأقدام في الأرض المحتلة، وكنا نتحدث في همس، وكان يظهر على الشهيد علامات الاستبشار والفرح، وقد حاولنا أن نتبين حقيقة ما تحمله نفسه في تلك اللحظة، وهو الذي عرفنا عنه الصبر والصمت والهدوء. فقد عاش بيننا كأي فدائي آخر، لا يغره منصبه، ولا تعلية رتبته حتى لم نكن نعرف عنه سابقاً بأنه يحمل ماجستير في التربية الإسلامية إلا بعد استشهاده.

 

حاولت أن اسأله: أرى أنك مستبشراً خيراً هذه المرة، فيرد الأخ: إنني أقرب الآن إلى الجنة من الأرض، بل إنني أرى يا أخي وجهي في الشهيد أبو الحسن يدعوني، وقد صدق بإخلاصه ووفائه، ولحق بأبي الحسن، فهنيئاً له في صحبة أبي الحسن وإخوانه الشهداء ».(12)

 

لا يكفي أن أعرف تاريخ أمتي:

 

ومن بيان حركة فتح عن الشهيد نقتطف الفقرات التالية: « البطل الشهيد المناضل النقيب محمد سعيد علي باعباد (أبو السعيد) من أبناء جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

 

ولد ابن فتح وبطل الثورة الفلسطينية في بلدة قصيعر في حضرموت في عام 1941، وفتح عينيه ليجد الأرض العربية من حوله وقد أذلها المستعمرون.

 

منذ سنواته الأولى كان محمد ثائراً. كان يتطلع للتغيير... كان يريد أن يرى الأرض العربية وقد تخلصت من عار الجهل والتبعية والتخلف.

 

ولكأن به يشعر أن الإنسان العربي يجب أن ينتصر على نفسه أولاً فيقضي على مظاهر الجهل والتخلف فيها، فانكب على العلم ينهل من ينابيعه الكثير... كان مبرزاً في دراسته... كان يدرس تاريخ أمتنا ومثلها وتقاليدها وأخلاقها، وكان في سلوكه مثلاً للتمسك بأهداب الأخلاق والدين.

 

وإلى جانب هذا، كان يبحث عن طريق يخدم فيها وطنه وأرضه... التحق بالكلية الحربية في القاهرة... تخرج منها عام 1965 ليعمل ضابطاً في جيش جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

 

ولم يكتف بطلنا الشهيد بما حصل من علم عسكري... راح يدرس في القاهرة من جديد ليحصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية، وبعد أن فرغ من ذلك، بدأ يعد للتعمق في دراسة القضية الفلسطينية، وعندما استشهد كان قد قطع شوطاً بعيداً في الإعداد لماجستير في الدراسات الفلسطينية.

 

من الكلمات التي ينقلها عنه رفاقه: كنت أدرس... كنت لا أترك كتاباً إلا وأبحث عنه... ولكنني كنت أشعر أن هذا لا يكفي... لا يكفي أن أعرف تاريخ أمتي...».(13)

 

شيّعته ثلاث دول:

 

شيعت جنازته في أكثر من قطر عربي، ففي البداية شيعته جماهير الأردن إلى مطار ماركا ليتم نقل الجثمان الطاهر إلى الكويت، إلى أن وصل لمدينة عدن، عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

 

لقد خرجت عدن بقضها وقضيضها لاستقبال جثمان الشهيد محمد سعيد باعباد، وما إن رأت الجماهير الغفيرة الجثمان حتى هتفت من أعماقها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، الشهيد حبيب الله، طريق فلسطين طريق الاسلام.

 

بهذة الألفاظ الصريحة وفي ظل النظام الشيوعي الحاكم لعدن مما يدل على أن الأمة الإسلامية، مهما تسلط عليها الطغاة والبغاة، ومهما حاولوا طمس الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي فطرة الإسلام، فلن يستطيعوا ذلك أبدا.ً(14)

 

الوصية الاخيرة:

تم العثور على قصاصة ورق في بنطاله الذي استشهد فيه، يطلب من إخوانه المجاهدين أن يدفن عند وفاته في مسقط رأسه قصيعر حضرموت، وقبره معروف إذ أنه دفن إلى جانبه قبر الشيخ العارف بالله الذي نشر الدعوة في قصيعر ونواحيها: الشيخ المشهور عبدالله بن خالد باعبّاد.(15)

 

دمعة على الشهيد:

وقد رثاه كثير من الشعراء، ومنهم الدكتور محمد الشيخ محمود صيام بقوله:

 

خل عنك البكاء فليس التماد ْْ ْ ْ فيه تشفى إلا صدور الأعادي

خله إنه كما قيــل فيــــــــه ْ ْ ْ غير مجد في ملتي واعتقادي

والشهيد الذي نشيّعه اليوم ْ ْ ْ بجمعٍ مفتت الأكباد

لا يريدُ الدموع ينشدُ السير ْ ْ حثيثا على طريق الجهاد

فهو يدري أن الدموع تلاشى ْ ْ ْ وتعود الحياة كالمعتاد

بيد أن الدماء توقِظُ شعباً ْ ْ ْ قد تمادى في غفلة ورقاد

نم قريرا أبا سعيد وها هم ُ ْ ْ ْ إخوة الروح من جميع البلاد

نم قريرا وسوف نكمل شوطا ْ ْ ْ كنت فيه من خيرة الرواد

نم قريرا وسوف نمضي على الدرب ْ ْ ْ ففينا آلاف باعبّادِ

 

ومن قصيدة الشاعر عبد الرحمن البرغوثي:

 

ياشهيد القدس يا فادي البلاد ْ ْ ْ نلت ماكنت تتمنى من مراد

ياسعيد الاسم والحظ معا ْ ْ ْ قد بذلت النفس في ساح الجهاد

هكذا تسن الألي من يعرب ْ ْ ْ يوم ساروا لعلاء من غير زاد

غير زاد المصطفى في مكة ْ ْ ْ فأفيقوا يارعاة الانقياد

واغسلوا العار عن الأقصى فقد ْ ْ ْ طفح الكيل فأين الاتحاد

اتحاد الجسم لايكفى بلاء ْ ْ ْقلبُ إيمان يدق الاظهاد

واحفظوا العهد لأبطال الفداء ْ ْ ْ ليس في الإسلام من يرضى الرقاد

حين يرضى الظلم من قد أسلموا ْ ْ ْ فقدوا الاسلام وارتد العباد

منذ ان ثارت اسود في الحمى ْ ْ ْ ادرك الخازون ان الفتح عاد

وجزاء سوف يلقون غدا ْ ْ ْ شأن قوم قد تردوا بالفساد

حضرموت قدمت ما انجبت ْ ْ ْ افهمتم يارؤوس الارتداد

فأعدوا للأعادي فتية ْ ْ ْ ترفع الراس لتطهير البلاد

واعيدوا للدنى ماجهلت ْ ْ ْ غضبة الثوار طلاب العباد

 

ومن قصيدة الشاعر عبد الرحمن البرغوثي:

 

ياشهيد القدس يافادي البلاد ْ ْ ْ نلت ماكنت تتمنى من مراد

ياسعيد الاسم والحظ معا ْ ْ ْ قد بذلت النفس في ساح الجهاد

هكذا تسن الألي من يعرب ْ ْ ْ يوم ساروا لعلاء من غير زاد

غير زاد المصطفى في مكة ْ ْ ْ فأفيقوا يارعاة الانقياد

واغسلوا العار عن الاقصى فقد ْ ْ ْ طفح الكيل فأين الاتحاد

اتحاد الجسم لايكفى بلاء ْ ْ ْقلبُ ايمان يدق الاظهاد

واحفظوا العهد لأبطال الفداء ْ ْ ْ ليس في الاسلام من يرضى الرقاد

حين يرضى الظلم من قد اسلموا ْ ْ ْ فقدوا الاسلام وارتد العباد

منذ ان ثارت اسود في الحمى ْ ْ ْ ادرك الخازون ان الفتح عاد

وجزاء سوف يلقون غدا ْ ْ ْ شأن قوم قد تردوا بالفساد

حضرموت قدمت ما انجبت ْ ْ ْ افهمتم يارؤوس الارتداد

فأعدوا للأعادي فتية ْ ْ ْ ترفع الراس لتطهير البلاد

واعيدوا للدنى ماجهلت ْ ْ ْ غضبة الثوار طلاب العباد

 

ـــــــــــــــ

(1) راجع كتاب الشواهد الجلية ص 74 لمؤلفة المؤرخ ( عبدالله بن حسن بلفقيه العلوي )

(2) شبكة حضرموت العربية الإلكترونية، 27 أيار/مايو 2003م.

(3) عبد الله العقيل، من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة:دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2005) الطبعة الرابعة، ص ص301-302.

 

(4) عبد الله العقيل، مرجع سابق، ص302.  

 

(5) محمد أبو فارس، شهداء فلسطين (عمان: دار الفرقان للنشر والتوزيع، 1990) ص380.

 

(6) حسين عبد الله، "من عدن إلى جنة عدنٍ"، مجلة المجتمع الكويتية، العدد الثامن، 5 أيار/مايو 1970م، ص8.

(7) الدكتور توفيق يوسف الواعي، موسوعة شهداء الحركة الإسلامية في العصر الحديث: الجزء الأول (الكويت: دار البحوث العلمية، 2004) ص 556.

 

(8) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص8. والدكتور توفيق الواعي، مرجع سابق، ص556.

 

(9) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص8 وص9.

 

(10) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص8.

 

(11) محمد أبو فارس، شهداء فلسطين، مرجع سابق، ص380.

 

(12) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص8.

 

(13) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص9.

 

(14) عبد الله العقيل، مرجع سابق، ص304.

(15) شبكة حضرموت العربية الإلكترونية، 27أيار/مايو 2003م.


شاركنا بتعليقك

شروط التعليقات
- جميع التعليقات تخضع للتدقيق.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها