تأجلت مفاوضات السلام اليمنية لحين وصول وفد جماعة الحوثي الذي تعثر سفره من صنعاء إلى مسقط واعتقد ان سفر الوفد الحوثي وبدء المفاوضات هي مسألة وقت ليس إلا .
ومن وجهة نظري الشخصية سواء سافر الوفد الحوثي وبدأت المفاوضات أو تعثرت من أساسها فهذه المفاوضات لن توقف الحرب ولن تعمل على إحلال السلام العادل والشامل في اليمن لأسباب عديدة سأحاول سرد ابرزها فيما يلي :
1- الهدف من هذه المشاورات ليس إيقاف الحرب وإحلال السلام وانما هو ( " التوصل إلى تفاهمات لبناء الثقة والتي من شأنها ستسهم في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية التي يواجهها الشعب اليمني وستعطي اليمنيين الأمل في التخلص من المعاناة والعيش في سلام"). وهذا نص حديث المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ وهذا يعني ان الهدف من هذه المشاورات هو التفاهم على تقديم تسهيلات لإيصال بعض المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في اليمن بعد تزايد التقارير والتناولات الإعلامية عن تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن واقترابها من حافة المجاعة مما جعل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يشعران ببعض الحرج ويريدان رفعه من خلال هذا التحرك .
2- عدم وجود إرادة لدى الحوثيين للجنوح للسلم وتسليم السلاح ومؤسسات السلطة وإنهاء وجودهم المسلح في الجبهات فالحوثي يرى فيما حدث من انقلاب في صنعاء في 21 سبتمبر 2014م فرصة تاريخية أعادت السلطة إليه باعتبارها حق إلهي خصه الله بها بصفته " ابن رسول الله " ولذا فإن القول بأن جماعة الحوثي ستسلم السلطة التي تحت أيديها طواعية وعبر المشاورات في جنيف أو في غيرها هو وهم ومحض خرافة مثله مثل القول بأن الكرة الأرضية معلقة على قرن ثور أسطوري الحجم .!!
3- غياب الإرادة السياسية والعسكرية لدى دول التحالف العربي لإيقاف الحرب وإحلال السلام في اليمن خاصة وانها تدرك ان ايقاف الحرب وإحلال السلام الشامل والعادل في اليمن لن يكون عبر المفاوضات في جنيف أو في الكويت أو حتى في الرياض أو طهران وإنما سيأتي عبر حسم عسكري وعبر هزيمة عسكرية ساحقة للحوثيين تعيدهم إلى كهوف مران وحينها فقط يمكن ان يسلموا حين يصل السكين إلى رقابهم ويقتربون من الغرق التام أما قبل هذا فلن يسلموا السلطة التي تحت أيديهم حتى لو فاوضوا مائة عام وحتى لو قتل 10 مليون يمني جوعا ومرضا وقتلا في الجبهات ذلك أنهم يعتقدون كما قلنا سابقا أن السلطة حق حصري لهم منحهم الله إياها دون سائر العالمين وأن تسليم ولو جزء منها لخصومهم الذين يرونهم عملاء المرتزقة خيانة لله ولرسوله وسيقاتلون دفاعا عنها حتى الرمق الاخير وحتى آخر رجل في شمال اليمن والسعودية والإمارات تدركان هذه الحقيقة ولديهم كافة الامكانيات والقدرات والوسائل لهزيمة الحوثيين عسكريا ولكنهم يرفضون حتى مجرد إحداث اختراق عسكري كبير يضغط على الحوثيين مثل تحرير الحديدة أو تعز واذا حدث وتقدم الجيش الوطني دون رغبة التحالف فإن قوات التحالف العربي تقوم بقصفه بالطائرات وهذا الأمر للأسف صار حقيقة معروفة وتكرر عشرات المرات والسبب يعود إلى ان للتحالف اجندة لم تتحقق بعد وهي استنزاف جميع الأطراف اليمنية حتى تصل إلى مرحلة القبول بأي تسوية وبأي سيناريو جاهز وبأي صيغة وثمن يثبت وجود دول التحالف والقوى الدولية في اليمن ويشرعن تحكمها في مقدراته وقراره إضافة إلى تدمير كامل البنية التحتية في اليمن وتشريد الملايين من ابناءه وقتلهم بالحرب والجوع والمرض .
4 - غياب استقلالية القرار الوطني لدى كل الأطراف اليمنية وفي مقدمتها الحكومة الشرعية التي سلمت قرارها للتحالف وغرق المسئولين فيها في فساد مخيف وعدم إهتمام حقيقي بأمر المواطنين في المناطق المحررة حتى تساووا في الفساد والإهمال مع القيادات الحوثية وما التدهور الإقتصادي المخيف والسخط الشعبي ضده إلا بعض مظاهر فساد الشرعية والمسئولين فيها وبالمحصلة فإن عدم امتلاك الأطراف اليمنية لقرارها وارتهانها للقوى الإقليمية والدولية وخروج الشأن اليمني من أيدي اليمنيين إلى عهدة دول التحالف وفي مقدمتهم السعودية والامارات وكذلك القوى الدولية وواجهاتها أمثال الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ومن وجهة نظري هذا الاختطاف شبه الكامل للقرار اليمني عقد المشهد السياسي والعسكري في اليمن وجعل قضية إيقاف الحرب وإحلال السلام مرهونة بمدى توافق الدول الرباعية وهي السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا إضافة الى إيران على تسوية سياسية يمنية ترضي هذه الدول وتحقق مصالحها أجندتها قبل أن ترضي الأطراف اليمنية التي هي في النهاية مجرد أدوات ولا تمتلك قرارها .
5 - عدم وجود طرف يمني ثالث يتمتع بثقة ومصداقية لدى جميع الأطراف اليمنية ولديه ثقل وتأييد شعبي ويعمل على تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف ويسعى لدى الجميع للقيام بإجراءات بناء الثقة مثل إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والإفراج عن بعض الشخصيات اليمنية التي سيمثل الإفراج عنها بداية انفراج للوضع في اليمن كالإفراج عن وزير الدفاع في حكومة الشرعية اللواء محمود الصبيحي أو الإفراج عن القيادي بحزب الإصلاح محمد قحطان أو شقيق الرئيس هادي ناصر منصور هادي أو العميد فيصل رجب وغيرهم من الذين يتخذهم الحوثيون ورقة ضغط على الشرعية لانتزاع مكاسب مقابل الاحتفاظ بها.
للأسف لقد انقسمت الأطراف اليمنية إلى فريقين وتخندق كل طرف في موقعه وتم تغييب أي تحرك لوجود طرف وطني ثالث ووسطي يعمل على صياغة حلول وطنية لإيقاف الحرب واحلال السلام وهناك محاولات ومبادرات كثيرة من قبل شخصيات يمنية لايجاد مثل هذا التيار ولكنها وأدت في مهدها .
6- عدم وجود إرادة سياسية لدى الدول الكبرى أمثال الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين إضافة إلى إيران لإيقاف الحرب وإحلال السلام في اليمن اذ على العكس ترى الدول الكبرى في أن هذه الحرب تخلق لها فرصا للتواجد العسكري أو لزيادة التواجد العسكري في هذه المنطقة تحت ذرائع شتى منها محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف وحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ولذا لم تقم هذه الدول بممارسة ضغوط حقيقية على الأطراف الفاعلة في الملف اليمني لانجاز تسوية شاملة وعادلة وايقاف للحرب وإحلال السلام فهي تتصرف بانتهازية وبما يخدم مصالحها ويحقق أجندتها ولو على حساب مصالح أبناء اليمن واستقرارهم ومستقبلهم .
7- اتساع الفجوة بين رؤى الأطراف اليمنية لمرحلة ما بعد الحرب اذ ان كل طرف لديه رؤية لايقاف الحرب واحلال السلام والخطوات التي تلي إيقاف الحرب مثل آليات تسليم السلاح الثقيل ومؤسسات الدولة وضمانات التنفيذ والوسائل وكيفية تشكيل اللجان وممن وماهي الفترة الزمنية ووو وكافة التفاصيل .
وللأسف تباين الفجوة بين رؤى الفريقين ومحاولة كل فريق انتزاع أكبر قدر من المكاسب دون تقديم أية تنازلات حقيقية أدى إلى فشل هذه المفاوضات فيما مضى في مفاوضات جنيف والكويت ولا يبدو ان الجانبين قد تغيرا كثيرا وتغيرت رؤاهم لمرحلة ما بعد الحرب.
8- عدم وجود رؤية واقعية وواضحة للأمم المتحدة بخصوص إيقاف الحرب وإحلال السلام وتنفيذ القرارات الدولية ومرحلة مابعد الحرب وكيفية تنفيذ هذه الرؤية في أرض الواقع وتسلسلها الزمني اذ أن الغموض ما يزال يحيط بموقف الأمم حتى من تطبيق القرارات الدولية التي يرفضها الحوثيون بشكل كامل وتصر عليها الشرعية بشكل كامل وبينهما تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن تطبيق هذه القرارات وعن امتلاك أدوات وضمانات لتطبيقها اذ تركز الأمم المتحدة عبر مبعوثها على الجوانب الإنسانية وتقديم الدعم والمساعدات للحوثيين وإيقاف اي تصعيد عسكري يضعف من قوة الحوثيين وممارسة اقصى الضغوط التي تعطل اي تقدم عسكري يكسر شوكة الحوثيين وحتى الان نجحت الأمم المتحدة في الحفاظ على الحوثيين كقوة عسكرية مؤثرة في اليمن وهذا هو هدفها الأول في اليمن وليس إيقاف الحرب وإحلال السلام ومساعدة أبناء اليمن على تجاوز محنتهم .
وباعتقادي فإن هذه الأسباب الثمانية تحول دون نجاح لأي مفاوضات قادمة بغض النظر عن مكانها وزمانها.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها