مرشح الرئاسة الأمريكي دونالد ترامب شخصية معقدة ومتناقضة. مضحك لكنه خطير، سخيف ويعي ما يقول، يبدو فاشلاً لكنه يحصد الأصوات، رجل أعمال ناجح وسياسي غير حصيف، يثير السخرية والشفقة في آن، ولديه قدر غير قليل من «البجاحة»، والتعالي والنظرة الأحادية، والجهل المركب أحياناً، الأمر الذي جعله ينظر للعالم بمعيار اللونين (الأبيض «ترامب» والأسود «الآخر»). عندما تسمع ترامب أحياناً يتحدث، يتملكك شعور بالضحك، لأنك أمام شخصية فلكلورية ذات طابع تهريجي بحت، وإذا تكلم تكاد تشعر بأنك إزاء شخص غبي، لكن تكتشف في ما بعد أنه ليس كذلك، ولكنه يتعمد هذا الأسلوب، لأنه يخاطب جمهوراً لا تراه أنت، ويراه ترامب الذي يعرف كيف يصل إلى «الهوة السحيقة» في أعماق هذا الجمهور الغاضب والمتعطش والباحث عن «نموذج أمريكي» يخشى ضياعه. قال ترامب قبل أسابيع إنه سوف يمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، حال فوزه في الانتخابات الرئاسية التي يبدو أنه حسم السباق إليها داخل حزبه الجمهوري لصالحه. وقبل أيام خاطب ترامب عمدة لندن المسلم صادق خان بأنه سيستثنيه من «الحظر الذي سيفرضه على المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأمريكية»، في حال أبلى خان «بلاء حسنا». مؤكداً أن هناك «استثناءات بالطبع». قالها ترامب بجدية تكفي لأن تجعل الأمر مضحكاً وخطيراً إلى حد كبير. ورد خان على استثناء ترامب بأنه يرفض الاستثناء الذي منحه له، لأن الحظر «يتعلق بعائلتي وأصدقائي والمجتمع الذي أنتمي إليه، وكل من يأتي من خلفية مشابهة»، حسبما أوردت «الغارديان» البريطانية عن عمدة لندن الجديد. أضاف خان ساخراً إنه بالفعل يريد الذهاب إلى الولايات المتحدة لكن «إذا أصبح دونالد ترامب الرئيس فسوف أمنع من الذهاب إلى هناك بسبب ديني، ما يعني أنه لا يمكنني التواصل مع رؤساء البلدية الأمريكيين وتبادل الأفكار». وكان صادق خان قد لمز المرشح الجمهوري ترامب، عندما قال عن تصرفات خصومه من حزب «المحافظين» البريطاني الذين دعموا منافسه زاك غولدسميث، والذين حاولوا تشويه سمعته، وربطه بالإرهاب واللاسامية في بريطانيا، قال إنهم «يستعملون التخويف لمحاولة تأليب المجموعات العرقية والدينية المختلفة على بعضها – لقد استقوى هذا الأسلوب من دونالد ترامب»، الأمر الذي جعل ترامب يتداخل، ويحاول تطييب خاطر خان، بأنه سوف «يستثنيه» من بين المسلمين لدخول الولايات المتحدة. طبعاً لترامب تصريحات تراجع نسبياً عنها فيما بعد، حول عزمه «إغلاق المساجد» في الولايات المتحدة، قبل أن يشرح لاحقاً أن الإغلاق من عدمه يرجع إلى سياسة المسجد نفسه. وعن سياساته إزاء «الإرهاب والإرهابيين»، تفرد مرشح الرئاسة الأمريكي بالدعوة ليس إلى قتل الإرهابيين وحسب، ولكن الدعوة إلى قتل عائلاتهم، في خطوة رآها الكثير داخل وخارج الولايات المتحدة تنم عن تهور وتطرف لا يخدم إلا جماعات الإرهاب حول العالم. اللافت أن ما صدر من تعليقات إسرائيلية خلال الفترة الماضية، لا يوحي بأن زمرة بنيامين نتنياهو في تل أبيب راضية عن سياسات ترامب التي ينوي تطبيقها فيما يخص «حل الدولتين» في فلسطين التاريخية، والذي يبدو أن ترامب يدعمه اتساقاً مع السياسة الكلاسيكية الأمريكية في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي. طبعاً لنا أن نعي أن ترامب لم يسع إلى ترضية إسرائيل، لأنه في واقع الأمر ثري، وغير محتاج إلى الدعم المالي للوبي إسرائيل في الولايات المتحدة، وما عدا ذلك فإن ترامب يؤكد التزامه بحماية إسرائيل والدفاع عنها. وبعيداً عن إساءات ترامب للمسلمين، أساء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شريط دعائي ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، سُمع فيه «نباح كلب»، وظهر بوتين مرتبطاً بالنباح، وساخراً من كلينتون، في الشريط الدعائي الذي قال عنه الكرملين إنه «سلبي». كما لم يسلم المكسيكيون والمهاجرون من سلاطة لسانه، وإعلاناته الانتخابية التي تمولها امبراطوريته المالية التي تعد واحدة من أضخم امبراطوريات المال في الولايات المتحدة الأمريكية التابعة له. ترامب المخيف جداً، والظريف جداً، لمح مرة إلى أنه يتفوق على منافسه في الحزب الجمهوري تيد كروز لأن زوجة ترامب «ميلانا» أجمل من زوجة كروز، في رد على ما يبدو على كروز الذي اتهمه ترامب بأنه وراء نشر صور لميلانا ترامب، وهي شبه عارية عندما كانت تعمل عارضة أزياء، والتقطت لها صور في جلسة تصوير لصالح مجلة «جي كيو». على كلٍ، ترامب بكل تناقضاته واضطرابه يمثل مؤشراً على حالة القلق التي يعيشها المجتمع الأمريكي الباحث عن زعامة جديدة كاريزمية، بعد فترة رأى المواطن الأمريكي أن باراك أوباما لم يكن «القائد النموذجي للأمة الأمريكية»، بفعل دوره في التراجع العالمي للدور الأمريكي في السياسات الدولية، وظهوره بمظهر الضعيف إزاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من جهة، وبفعل إخفاقه في بعض الوعود التي قطعها على نفسه في برنامجه الانتخابي للفترة الرئاسية الثانية. دونالد ترامب ـ بالطبع ـ لا يتكئ على أي تاريخ سياسي حافل، ولكنه يتكئ على جبل من الدولارات، وربما كان هذه هو المؤهل الأكبر لفوزه بأصوات الناخبين الأمريكيين على مستوى الانتخابات الحزبية، حتى غدا مرشحاً شبه مؤكد للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، وهو ما رفع منسوب القلق من احتمال فوزه، على الرغم من أنه يعود للحزب الجمهوري اعتماده مرشحاً رئاسياً له، أو رفض ترشحه. مجلة «الإيكونوميست» البريطانية أكدت أن «وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة سيشكل خطرا عالميا بمستوى الخطر الذي يمثله التطرف الجهادي الذي يزعزع الاقتصاد العالمي». وجعلته ضمن 12 خطراً عالمياً يهدد الأمن والسلم الدوليين. بدأ مشوار ترامب نحو الرئاسة الأمريكية أشبه ما يكون بنكتة سخيفة، إلا أن النكتة تتحول يوماً بعد يوم إلى كابوس مقلق للكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة. دعونا نترقب، وننتظر من سيدخل المكتب البيضاوي في شهر يناير المقبل. |
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها