بعد أيام من إعلان الحكومة اليمنية والتحالف العربي الداعم لها علمية عسكرية تحمل اسم (النصر الذهبي)، تهدف إلى استعادة مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي من قبضة مسلحي جماعة الحوثي، الموالية لإيران، حققت القوات الحكومية (ألوية العمالقة)، وبإسناد طيران التحالف العربي، تقدماً ميدانياً، وسيطرت على مناطق واسعة على طول الشريط الساحلي مروراً بمديرية الدريهيمي الاستراتيجية، وهي البوابة الجنوبية للمدينة، وصولاً إلى مطار الحديدة الذي أعلنت الحكومة السيطرة عليه في 17/6/2018، بعد معارك ضارية بين القوات الحكومية ومسلحي الحوثي.
على الصعيد السياسي أخفق مبعوث الأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث، الذي غادر العاصمة صنعاء، في تحقيق أي تقدم مع جماعة الحوثي، وهي الزيارة الثانية له منذ انطلاق معركة (النصر الذهبي)، بعد محاولته انتزاع فرصة لإجراء مباحثات سياسية بين الجانبين.
غير أن خيارات الحوثي في هذه المعركة تبدو محدودة؛ إذ إنه بين خيارين كلاهما يتطلب تسليم الميناء، إما للحكومة اليمنية والتحالف العربي أو للأمم المتحدة، بمعنى أن جماعة الحوثي ستخسر أهم مورد مالي ولوجستي.
فهل ستستمر المعركة حتى السيطرة على كامل مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، أم أن هناك خطوطاً حمراء لن يتجاوزها الجيش الحكومي والتحالف الداعم له؟ وما خيارات جماعة الحوثي في هذه المعركة؟
على الرغم من طول السواحل اليمنية التي تبلغ 2500 كم، وتعدد موانئها، فإن لمحافظة الحديدة أهمية خاصة؛ نظراً لمكانتها الجيوسياسية وحيويتها الاقتصادية، وهي محافظة ذات كثافة سكانية عالية، حيث يتجاوز عدد سكانها مليونين ونصف المليون نسمة، يتوزعون على 26 مديرية. وهي من المحافظات الغنية بمواردها المتنوعة، التي تشمل الثروة البحرية والحيوانية والزراعية، وتعد سلة اليمن الغذائية، في حين يعيش أبناؤها فقراً مدقعاً؛ نتيجة المركزية التي عانى منها اليمن كثيراً، وتسلط مراكز النفوذ المتعددة، وسيطرتهم على كثير من الموارد.
يعتمد غالبية سكان المحافظة على الصيد والزراعة، وهي في حالة شبه توقف منذ سيطرت ميليشيات الحوثي على المحافظة في أكتوبر/تشرين الأول 2014، وهذا ما اضطر كثيرين منهم إلى الهجرة خارج المحافظة.
الجدير بالذكر أن جماعة الحوثي تعاني من ضعف الحاضنة الشعبية في هذه المحافظة، حسب ما أفاد بذلك زعيم الحركة عبد الملك الحوثي، في تعليقه على هزيمته في معركة الساحل.
في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014 سيطرت جماعة الحوثي على محافظة الحديدة بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء، بدعم من حليفها السابق علي عبد الله صالح، الذي يبدو أنها فقدت أدواته في معركتها الحالية، بل وتحول بعض منها ضدها.
وكانت سيطرة الجماعة الحوثية على الحديدة سبباً من أسباب بقائها، وعاملاً من العوامل التي أسهمت في تمويل الجماعة ورفد خزينتها خلال المرحلة الماضية، في الوقت الذي تتوسع دائرة المجاعة والفقر في مديريات أخرى، بالإضافة إلى موجات اعتقالات ناشطين وخصوم لجماعة الحوثي، ولذا فإن تحرير المحافظة يعد أولوية وضرورة استراتيجية بالنسبة إلى الحكومة اليمنية للاعتبارات التالية:
يمثل التحدي الإنساني الكارثي خصوصية في محافظة الحديدة تحديداً، وذلك لعاملين أساسيين؛ الأول يعود إلى ارتفاع مستوى الفقر في الأسرة الحديدية، والثاني يتعلق بالمناخ الحار، خاصة أن المعركة في وقت الصيف، ومن ثم فإن أي انقطاعٍ- وهو وارد- للتيار الكهربائي يعني فساد المواد التموينية في المنازل والمخازن التجارية، هذا بالإضافة إلى الوضع الصحي الذي تشهده المرافق الصحية، وخاصة المصابين بأمراض مزمنة مثل غسل الكلى والقلب وغيرها نتيجة توقف المرافق الصحية، فضلاً عن استبدال المرضى بجرحى الحرب، وهذا بطبيعة الحال ليس فقط في الحديدة فحسب، بل وصل ذلك إلى العاصمة صنعاء، وقد بدأ الحديث عن اكتظاظ مستشفيات العاصمة بجرحى الحوثيين وإحلالهم مكان مرضى آخرين.
كما أنه من المتوقع تدفق موجات نزوح جماعي للمدنيين هروباً من نيران الحرب، ومن ثم فإن تسيير جسور إنسانية واستيعاب التحدي الإنساني من قبل الحكومة اليمنية ودول التحالف سيفوت على الحوثيين فرصة الرهان على العامل الإنساني للضغط نحو توقف المعركة.
ويرى بعض المراقبين أن الخطر الإنساني سيزيد إذا ظلت المدينة مقسمة بين طرفي الصراع، وعليه فإن مساعدة المجتمع الدولي لحسم المعركة في وقت سريع سيخفف من حجم الكارثة الإنسانية، وهذا لن يأتي إلا بتوافقات دولية ومحلية.
مما لا شك فيه أن هناك كارثة إنسانية حقيقية ستحل بالمدينة وسكانها، وهذا ما يتطلب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الضغط على الحوثيين للخروج من المدينة وتجنيبها ويلات الحرب، كما يجب عليهم في حال تعنت الجماعة- وهذا هو الحاصل- وضع الخطط اللازمة بالتعاون مع دول التحالف والحكومة اليمنية لمعالجة مثل هذه الكوارث بالتزامن مع سير المعركة، لكن الواقع يشير إلى أن هناك رغبة جامحة لدى المجتمع الدولي في تدليل جماعة الحوثي والإبقاء عليهم كقوة يمنية سياسية وعسكرية في المنطقة؛ للاستمرار في إقلاق المنطقة واستفزاز الإقليم.
ويمكن أن تكون عملية السيطرة على الحديدة واردة، لكن المجتمع الدولي يريد من الحكومة اليمنية ودول التحالف ضمانات حقيقية لما بعد السيطرة على الحديدة، تضمن للحوثي إعادة التموضع في محيطه الجغرافي، مع توفير منفذ دولي للحوثيين، وتصبح بعد ذلك قوة سياسية وعسكرية يمنية موازية لقوة الحكومة اليمنية، ومما يؤكد ذلك تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم الحوثي بحق اليمنيين، مع التعامل معه كقوة سياسية لا على أنه جهة متمردة على السلطة والحكومة اليمنية، وعلى ضوء هذا التصور تأتي مشاريع الحلول السياسية المقدمة من المجتمع الدولي.
توالت ردود الأطراف الدولية الرافضة للمعركة والمحذرة من عواقبها الوخيمة التي ستشهدها المحافظة في حال استمرت القوات القوات الحكومية اليمنية في زحفها صوب المدينة، ومن هذه الردود:
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن المنظمة الدولية تقوم بدبلوماسية مكوكية مكثفة بين جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن من جهة، والتحالف العربي من جهة أخرى؛ في مسعى لمنع الهجوم على ميناء الحديدة اليمني.
وحذرت الأمم المتحدة، في بيان لها، من أن أي هجوم عسكري أو حصار سيقوم به التحالف الذي تقوده السعودية للمدينة الساحلية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، قد يودي بحياة 250 ألف شخص.
وذكرت الرسالة تقرير صحيفة (واشنطن بوست) الذي أكد أن مئات الآلاف من الأطفال اليمنيين على وشك المجاعة، بسبب غارات التحالف الذي تقوده السعودية المكثفة على ميناء الحديدة، وهو الميناء الرئيس الذي يدخل عبره معظم المواد الأساسية إلى البلاد.
إن حجم الدعم العسكري المحشود للمعركة، والترتيب من قبل قوات التحالف، يوحي بأن المعركة مستمرة؛ لكن في المقابل تدرك جماعة الحوثي المكانة الاستراتيجية لمدينة الحديدة، وحجم خسارتها لمثل هذا المورد، كما أنها تدرك انعكاسات ذلك على وزنها في أي مباحثات قادمة، ومن ثم فإنه من المتوقع أن ترمي بثقلها في هذه المعركة، ويمكن استعراض مسارات الخيارات الممكنة والمآلات المتوقعة لمعركة الحديدة الساخنة وفق ما يأتي:
الأول: مسار التسليم
وهذا المسار يقضي بتفهم الحوثيين للوضع الكارثي الذي ستؤول إليه الحرب الدائرة على الحديدة، والاستجابة للضغوط الدولية وجهود المجتمع الدولي، وهذا الخيار أكثر استبعاداً لأسباب:
الثاني: مسار الحرب
وهو المسار الأكثر احتمالاً والأكبر كلفة للطرفين؛ نتيجة لإصرار الحكومة اليمنية على خيار الحسم العسكري بعد إخفاق كل الجهود السياسية، ولتعنت جماعة الحوثي، وهذا الخيار إذا استمر فستكون آثاره أكبر، ومدته أطول؛ لأن سير المعركة الحالي يوحي بأنها ستتحول إلى حرب شوارع داخل المدينة، وهذا ما يفسره تترُّس الحوثيين بالمباني والفنادق، وقطع الشوارع، ولهذا فنحن أمام عدد من السيناريوهات.
• نموذج عدن
لقد تحررت مدينة عدن في أيام قليلة بسبب عدة عوامل، لعل من أهمها- بعد إسناد دول التحالف- أن المقاومة الرافضة للوجود الحوثي كانت في الداخل، في حين كان مقاتلو جماعة الحوثي في أطراف المدينة، على عكس معركة الحديدة، والتشابه الذي نعنيه ليس في سير المعركة، وإنما في ما بعد سيطرة القوات اليمنية المشتركة المدعومة إماراتياً على الحديدة، وهذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً، وأصبحت معالمه واضحة للعيان؛ وهو تكرير (نموذج عدن)، والسيطرة الفعلية للإمارات على الحديدة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ لكن هذه المرة يتم تسليم المدينة لغير أبنائها، على خلاف عدن، كما حصل ويحصل في الأجزاء المحررة من المحافظة، والتي تُسلَّم لكتائب طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي صالح، الذي تعيد الإمارات إنتاجه من جديد، وهذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً للأسباب التالية:
كل هذه الأسباب وغيرها توحي بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك نية واضحة لدى الإمارات في المضي في المعركة، والحضور العسكري المباشر وغير المباشر في الشمال اليمني، وفي حال تم هذا السيناريو فإن الوضع الإنساني لن يكون في الحسبان، والدليل على ذلك وضع المناطق المسيطر عليها من قبل قوات تتبع الإمارات، ولن يفشل هذا المخطط إلا إذا تنبه أبناء الحديدة مبكراً لهذا الخطر، وتلافوا أسباب وقوعه من خلال المشاركة الفعالة في عملية التحرير، مع رفض كل أشكال الهيمنة.
• حضور الحكومة اليمنية الشرعية وتلافي الأخطاء السابقة
سيطرة الحكومة الشرعية على المحافظة، وبسط نفوذ الدولة على كل المؤسسات، وضم الألوية والكتائب المؤيدة للشرعية إلى قوام الجيش الوطني، يعد هو السيناريو الثاني، وسيكون الأول في حال أرادت الشرعية اليمنية الاستفادة من أخطاء عمليات التحرير السابقة، أو التفاهم بين القيادتين اليمنية والإماراتية حول الموضوع، ولعل زيارة الرئيس اليمني هادي الأخيرة إلى الإمارات كانت تصب في هذا الاتجاه، وهذا السيناريو يحتاج إلى:
- إدراك الحكومة الشرعية لأهمية حضورها الفعلي في الميدان، وأن غيابها عن المناطق المحررة سهَّل عملية وجود الجيوب العسكرية غير الخاضعة للدولة.
- وعي أبناء المنطقة بأهمية وجود الدولة وغياب أي ميليشيات لا تتبع القيادة العليا للقوات المسلحة.
• نموذج تعز (تقاسم النفوذ)
أيْ تعثر العملية، وحصار المدينة، وتضرر أبنائها، وتحويل الحديدة إلى تعز ثانية، هذا السيناريو وارد في حال استمر ضغط المجتمع الدولي على منع العملية العسكرية، وإصرار قوات التحالف والقوات المشتركة على تنفيذ العملية من خلال حصار المدينة، ولكن لن تكون بموجب ذلك الحديدة (تعز) أخرى، لعدة عوامل، منها:
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها